المبحث السادس
علوم الطب فى عصر المرابطين
تقدمت العلوم الطبية والصيدلانية فى عصر المرابطين تقدمًا يشهد له الأسماء والأعلام التى تألقت فى حضارة الأَنْدَلُس والمغرب، وأشهرها ابن زهر وهو اسم طبيب أَنْدَلُسى من أعظم أطباء الإسلام، مِمَّن تركوا بصماتهم واضحة فى تاريخ الحضارة الإنسانية جمعاء، وينتسب أبو مروان عبد الملك بن زهر إلى أسرة أَنْدَلُسية لمعت فى ميدان الطب والعلوم الطبيعية والكيميائية, عميدها الأكبر هو أبو مروان عبد الملك ابن الفقيه مُحَمَّد بن مروان بن الأزهر الأيادى الإشبيلي، وكان والده الفقيه محمد بن مروان من جلة الفقهاء المتميزين فى علم الحديث فى إشبيلية، وقد رحل أبو مروان فى شبابه إلى المشرق وسمع فى القيروان ومصر، وتتلمذ علىأيدى علماء المشرق فى الطب، ورجع إلى الأَنْدَلُس، وأصبح من أشهر علماء الطب فيها, وتوفى فى إشبيلية، وورثه فى علم الطب ابنه أبو العلاء الذى تبوأ مكانة عظيمة فى دولة المرابطين، ومن تواليفه «الخواص» وكتابه «الأدوية المفردة» وكتاب «الإيضاح بشواهد الافتضاح» فى الرد على ابن رضوان فيما رده على حنين بن إسحاق فى كتاب المدخل إلى «الطب»، وكتاب «النكت الطبية»، وكتاب «الطرر» ومقالة فى تركيب الأدوية، وتوفى أبو العلاء فى قرطبة 525هـ, وحُمل إلى إشبيلية ودفن بها، وأمر الأمير على بن يوسف بجمع كتبه ونسخها، وتم ذلك عام 526هـ, وورث ابنه أبو مروان من والده صناعة علوم الطب، ونبغ فى هذا المجال، ولم يكن فى زمانه مَن يماثله أو ينافسه، وكان له حظوة لدى الأمراء المرابطين، فقد صنف للأمير أبى إسحاق إبراهيم بن يوسف بن تاشفين كتابًا سماه «الاقتصاد فى صلاح الأجساد»، ومن تواليفه أيضًا كتاب «التيسير فى المداواة والتدبير» وقد ألفه القاضى أبو الوليد بن رشد وهذا الكتاب يُعد من أعظم مراجع الطب فى العصور الوسطى، وله أيضًا كتاب «الأغذية»، ومقالة فى علل الكلى، ورسالة فى علتى البرص والبهق، وتوفى هذا العالم فى عام 557هـ فى إشبيلية.