أموال عظيمة بسبب نشاطهم التجاري، وعلى رأس هذه الطبقة الأمراء الذين استأثروا بالحكم وحافظوا على مصالحهم، وكانت هذه الطبقة مستعدة لمقاومة مَن يُهدِّدُ مصالحها, أو يحاول انتزاع مكانتها وثروتها وجاهها، مستخدمين من أجل تلك الأهداف الأساليب المشروعة والمُحرَّمة، ويساندهم فى ذلك الفقهاء المحليون الذين ارتبطت مصالحهم بهم وأصبحت أطماعهم والسعى لتحقيقها فوق أحكام الله.

واحتكرت هذه الطبقة الأراضى الزراعية فى الواحات، وكذلك مناجم الملح وقطعان الماشية، أى جميع مصادر الثروة, وكانت تبنى بيوتها بطريقة تدل على ترفعها عن سائر النَّاس, ومعلوم لدى الدارسين والباحثين فى تاريخ المُجْتَمَعات البشرية أنه عندما تظهر طبقة ذات ثراء مفرط ينتج عنه ظهور طبقة من الفقراء المدقعين فى فقرهم, وهذا ما حدث فى المُجْتَمَع المُلَثَّم، حيث نجد أن عامة النَّاس أصابهم الفقر واضطروا إلى الاشتغال برعى المواشى وبالعمل فى الأراضى الزراعية، ويؤدون الضرائب للأمراء والأعيان الذين استغلوهم استغلالاً مشينًا، وكانت طبقة الفقراء تتعرض للمجاعة فى سنوات الجفاف وكانت منازلهم من أغصان الأشجار ومُغطاة بالجلود كالأكواخ.

وظهرت فى المُجْتَمَع المُلَثَّم كثرة العبيد الذين استُخدموا وسُخروا للعمل فى مناجم الملح، وجلُّهم كانوا أسرى فى الحروب التى نشبت بين المُلَثَّمين والوثنيين، وارتفع شأن العبيد فيما بعد؛ فكانوا فرقة خاصة فى جيش المرابطين، واشتهرت المرأة المُلَثَّمة بالجمال، وهى سمراء اللون, وبعض نساء الطبقة العليا كانت لهنَّ منزلة رفيعة فاقت منزلة الرجال فى بعض الأحيان.

وانتشرت عادات خبيثة فى المُجْتَمَع المُلَثَّم تتنافى مع تعاليم الإسلام، بل هى عادات غارقة فى مستنقعات الجاهلية، ومن أبشع هذه العادات السيئة الزواج بأكثر من أربع حرائر، وعادة الزنى، ومصادقة الرجل للمرأة المتزوجة بعلم زوجها وحضوره، وغابت العقيدة الإسلامية الصحيحة عن ذلك المُجْتَمَع واضطربت تصوراتُه وانحرف عن الصراط المستقيم, بعدما كان أجداد هذا المُجْتَمَع قد آمنوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نبيًّا ورسولاً، ونبذوا ديانتهم المجوسية القديمة، بل كان أجداد هذا المُجْتَمَع دعاة إلى الله، ورفعوا لواء الجهاد , وخاضوا حروبًا فى سبيل إعلاء كلمة الإسلام الخالدة التى وصلتهم بعد فتح الأَنْدَلُس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015