فإن هذا الخطاب قد ضعف كثيرًا في النصف الثاني من القرن العشرين، وذلك باستثناء مبادراتٍ فرديةٍ، كمثل مالك بن بني، حيث غلبَ على الخطابِ الإِسلاميِّ عمومًا الاهتمامُ بالهوية والمرجعية، وإدارة السجالات حولها، ومحاولات إقامة الدولة الإسلامية، ومن ثم الثبات في وجه الصدامات السياسية، أو التعقيدات الأمنية، أو الحملات الإعلامية، أو مقاومة التغريب والتشكيك.
ومع التسليم الكامل بأهمية هذه الخطابات، إلاَّ أنه يجب أن نُسَلِّمَ -أيضًا- باستنزافها لكثير من الطاقات، وتضخم تلك الاهتمامات على حساب المهمات الاجتماعية الضارية، ذات الصلة بنهضة تلك المجتمعات، وهي قضايا لا يصلح، ولا يكفي فيها إجابةٌ مبشرة عن أسئلة النهضة من غير تفصيل، ولا تدليل، ولا تعليل؛ استغناءً بالجوابِ المُجْمَلِ: (الإسلام هو الحل!) أو: (الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة!).
ومن نافلة القول: أن الدعوات السلفية -وهي تلج في عالم اليوم إلى آفاق رحبة، وتدخل في مشاركات مجتمعية واسعة- مطالَبَةٌ بأن تتجاوز مرحلةَ الشعاراتِ البرَّاقَةِ، والمطالبات التي تشبه مطالب المعارضة؛ لتنتقل بالأمة إلى برامجَ عمليةٍ تبني من خلالها نهضةَ الأمةِ، وذلك عملٌ يحدوه أملٌ في التغيير الإيجابي، والتحول العملي جهةَ صناعة الحياة في تحديات كثيرة، وهنا يجب التنبه إلى أن التيارات السلفية خاصَّةً عليها أن تنحى منحًى