ثم إن ضعفَ هامشِ الحرياتِ العامة في أكثر تلك الدول العربية، مع حساسية حكوماتها المفرطةِ من اشتغال الشعب بالسياسة- جعل كثيراً من السلفيين يبتعدون مسافاتٍ شاسعةً عن العمل السياسي؛ اتِّقاءً لغضبِ السلطة، أو حفاظًا على المكاسب الحاضرة، أو إيثارًا للسلامة!!
وحتى بعد الثورات العربية، ودخول قطاعات من السلفيين إلى حلبة المعترك السياسيِّ فقد بقيتْ بعضُ الرموز القديمة بمنأًى عن هذه الممارسة، أو القبولِ بها على المستوى النظري! على أن العمل السياسي لنصرة الدين أسلوبٌ معاصرٌ من أساليب التأثير في الواقع إيجابيًّا، وهو يدور في فلك قضايا السياسة الشرعية، والموازنة بين مصالحه ومفاسده، وتختلفُ فيه الفتيا باختلافِ الزمانِ والمكانِ والأحوالِ، وهو كغيره من الأعمالِ لا بدَّ لمشروعيتِهِ من ضوابطَ تُلْتَزَمُ، ومحاذيرَ تُجْتَنَبُ، وعلى أهلِ الدعوةِ أن يدخلوا هذا المضمارَ مجتمِعِينَ ومتَّفِقِينَ، لا متعارِضِينَ ولا متخالِفِينَ، وإلَّا لن يتأتَّى من ذلك إعزازٌ للدين، ولا نصرٌ لشريعةِ رَبِّ العالمين! وقد ينتقل داء المعارك من المسائل الاجتهادية العلمية إلى المجالات السياسية!