وقوله في الحديث: "أعوذ" أي: ألتجئ، فالاستعاذةُ الالتجاءُ والاعتصامُ، وحقيقتُها: الهرَبُ مِن شيءٍ تَخافُه إلى مَن يَعْصِمُك منه ويَحمِيكَ من شَرِّه، فالعائِذُ بالله قد هَرَب مِمَّا يؤذيه أو يُهلكُه إلى ربِّه ومالكِه، وفَرَّ إليه، وألقى نفسَه بين يديه، واعتصم به، واستجار به، والتجأَ إليه.
والمراد بكلمات الله: قيل: هي القرآن الكريم، وقيل: هي كلماته الكونية القدرية، والمراد بالتامَّات أي: الكاملات التي لا يَلحقُها نَقصٌ ولا عيبٌ، كما يلحق كلامَ البشَر.
وقوله: "مِن شرِّ ما خَلقَ" أي: مِن كلِّ شرٍّ، في أيِّ مخلوق قام به الشَّرُّ من حيوان أو غيره، إنسياً كان أو جِنياً، أو هامةً أو دابَّةً أو ريحاً أو صاعقة، أيَّ نوعٍ كان من أنواع البلاء في الدنيا والآخرة1.
وثبت في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما عن عبد الله بن خُبيب رضي الله عنه قال: "خَرْجَنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم لَيُصَلِيَ لَنَا، فَأَدْرَكْتُهُ، فَقَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئاً، ثُمَّ قَالَ: قُلْ. فَلَمْ أَقُلْ شَيْئاً، ثُمَّ قَالَ: قُلْ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} وَالمُعَوِّذَتَيْنِ حَينِ تُمْسِي وَحِينَ تُصْبِحُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ"2.
ففي هذا الحديث فضيلة قراءة هذه السور الثلاث: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} ، و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ثلاثَ مرَّات كلَّ صباح ومساء، وأنَّ مَن حافظ عليها كَفَتْه بإذن الله من كلِّ شيء، أي أنَّها تدفع عنه الشرورَ والآفات، وبالله وحده التوفيق لا شريك له.