وإن وُجِد لمن يَدَّعي الأحكامَ إصابه في شيء، فخطؤه أضعافُه، ولا تبلغُ إصابتهُ عُشْرَ مِعْشاره، وتكون الإصابة اتفاقًا كما يظن الظانّ المنافي للعلم المقارن للجهل الشيءَ، فيكونُ على ظنه، ويخطئ فيما هو معلومٌ أكثرَ عُمُره، ولا يُقَالُ: إن هذه إصابة يُعَوَّل عليها، ويُرْجَع إليها، بل إذا تكررت منه الإصابة في قوله، وكثر الصدقُ في لفظه، والصحة في حكمه، ولم يُخْرَمْ منه إلا الأقل، حينئذ سلمت له هذه الفضيلة، وشُهِدَ له بهذه المعجزة، ولا فرق بين المنجم والكاهن؛ إذ كلّ واحدٍ منهما يدَّعي الإخبارَ بالغيوب، وكيف يُسَلَّمُ للمنجمين ما يَدَّعونه، وأحدهم على التحقيق ما يعرف ما حدث في منزله، ولا ما يُصلح أهلَه وَوَلَدَهُ؟ بل لا يعرف ما يُصلحهُ في نفسه، ويؤثر عنه أن يخبر بالغيب الذي لم يُؤْتِهِ الله أحدًا، ولم يستودعه بشرًا، إلا لرسول يرتضيه، أو نبيِّ يصطفيه" (?). اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-:
"ولما أراد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن يسافر لقتال الخوارج عرض له منجم، فقال: يا أمير المؤمنين! لا تسافر؛ فإن القمر في العقرب؛ فإنك إن سافرت والقمر في العقرب هُزِمَ أصحَابُك -أو كما قال- فقال عليّ: بل أسافر ثقة بالله، وتوكلًا على الله، وتكذيبًا لك؛ فسافر، فبورك له في ذلك السفر، حتى قتل عامَّة الخوارج، وكان ذلك من أعظم ما سُرَّ به؛ حيث كان قتاله لهم بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم-" (?)