وجه؛ لأنه يخرج عن النفع إلى الأذى، ويشغل عن طلب الآخرة فيفوت المقصود، ويصير بمثابة من أقبل يعلف الناقة، ويرد لها الماء، ويغير عليها ألوان الثياب، وينسى أن الرفقة قد سارت، فإنه يبقى في البادية فريسة للسباع هو وناقته.

ولا وجه أيضًا للتقصير في تناول الحاجة، لأن الناقة لا تقوى على السير إلا بتناول ما يصلحها، فالطريق السليم هي الوسطى، وهي أن يأخذ من الدنيا قدر ما يحتاج إليه من الزاد للسلوك، وإن كان مشتهى، فإن إعطاء النفس ما تشتهيه عون لها وقضاء لحقها.

وقد كان سفيان الثوري يأكل في أوقات من طيب الطعام، ويحمل معه في السفر الفالوذج.

وكان إبراهيم بن أدهم يأكل من الطيبات في بعض الأوقات، ويقول: إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال، وإذا فقدنا صبرنا صبر الرجال.

ولينظر في سيرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وصحابته، فإنهم ما كان لهم إفراط في تناول الدنيا، ولا تفريط في حقوق النفس.

وينبغي أن يتلمح حظ النفس في المشتهى، فإن كان في حظها حفظها وما يقيمها ويصلحها وينشطها للخير، فلا يمنعها منه، وإن كان حظها مجرد شهوة ليست متعلقة بمصالحها المذكورة فذلك حظ مذموم، والزهد فيه يكون. اهـ من «مختصر منهاج القاصدين».

فائدة:

قال ابن السماك الواعظ: هب الدنيا في يديك، ومثلها ضُم إليك، والمشرق والمغرب جاءا إليك، فجاءك الموت ماذا في يديك؟!

خاتمة:

عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أعذر اللَّه إلى امرئ أخّر أجله حتى بلغ ستين سنة». رواه البخاري.

قال الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه تعالى في «الفتح» (ج11 ص 244):

قوله: «أعذر اللَّه»: الإعذار إزالة العذر، والمعنى أنه لم يبق له اعتذار كأن يقول: لو مُدّ لي في الأجل لفعلت ما أُمرت به، يقال أعذر إليه إذا بلغه أقصى الغاية في العذر ومكنه منه. وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية، والمعنى أن اللَّه لم يترك للعبد سببًا في الاعتذار يتمسك به. والحاصل أنه لا يعاقب إلا بعد حجة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015