طليق برأي العين وهو أسير ... عليل على قطب الهلاك يدور

وميت يرى في صورة الحي غاديًا ... وليس له حتى النشور نشور

أخو غمرات ضاع فيهن قلبه ... فليس له حتى الممات حضور

الرابعة: أنه يشتغل عن مصالح دينه ودنياه، فليس شيء أضيع لمصالح الدين والدنيا من عشق الصور، أما مصالح الدين فإنها منوطة بلم شعث القلب وإقباله على اللَّه، وعشق الصور أعظم شيء تشعيبًا وتشتيتًا له، وأما مصالح الدنيا فهي تابعة في الحقيقة لمصالح الدين، فمن انفرطت عليه مصالح دينه وضاعت عليه، فمصالح دنياه أضيع وأضيع.

الخامسة: أن آفات الدنيا والآخرة أسرع إلى عشاق الصور من النار في يابس الحطب، وسبب ذلك، أن القلب كلما قرب من العشق وقوي اتصاله به بعد من اللَّه، فأبعد القلوب من اللَّه قلوب عشاق الصور، وإذا بعد القلب من اللَّه طرقته الآفات من كل ناحية، فإن الشيطان يتولاه، ومن تولاه عدوه واستولى عليه لم يأله وبالاً، ولم يدع أذى يمكنه إيصاله إليه إلا أوصله، فما الظن بقلب تمكن منه عدوه، وأحرص الخلق على غيه وفساده وبعد منه وليه، ومن لا سعادة له ولا فلاح ولا سرور إلا بقلبه وولايته؟

السادسة: أنه إذا تمكن من القلب واستحكم وقوي سلطانه أفسد الذهن وحدث الوساوس، وربما التحق صاحبه بالمجانين الذين فسدت عقولهم فلا ينتفعون بها، وأخبار العشاق في ذلك موجودة في مواضعها، بل بعضها يشاهد بالعيان، وأشرف ما في الإنسان عقله، وبه يتميز عن سائر الحيوانات، فإذا عدم عقله التحق بالبهائم، بل ربما كان حال الحيوان أصلح من حاله، وهل أذهب عقل مجنون ليلى وأضر به إلا العشق؟ وربما زاد جنونه على جنون غيره، كما قيل:

قالوا جننت بمن تهوى، فقلت لهم ... العشق أعظم مما بالمجانين

العشق لا يستفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون بالحين

السابعة: أنه ربما أفسد الحواس أو أنقصها، إما إفسادًا معنويًا أو صوريًا، أما الفساد المعنوي فهو تابع لفساد القلب، فإن القلب إذا فسد فسدت العين والأذن واللسان، فيرى القبيح حسنًا منه، ومن معشوقه كما في «المسند» مرفوعًا: «حبك الشيء يعمي ويصم» (?)، فهو يعمي عين القلب عن رؤية مساوئ المحبوب وعيوبه فلا ترى العين ذلك، ويصم أذنه عن الإصغاء إلى العدل فيه، فلا تسمع الأذن ذلك. والرغبات تستر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015