الحال على أن يُسكت القارئ ويستطيل قراءته، ويستزيد المغني ويستقصر نوبته، وأقل ما في هذا: أن يناله نصيب وافر من هذا الذم، إن لم يحظ به جميعه.
والكلام في هذا مع من في قلبه بعض حياة يُحس بها، فأما من مات قلبه وعظمت فتنته، فقد سد على نفسه طريق النصيحة {وَمَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 41].
* * *
فصل
الاسم الثاني والثالث: الزور، اللغو. قال تعالى: {وَالَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72].
قال محمد ابن الحنفية: الزور هاهنا: الغناء. وقاله ليث عن مجاهد. وقال الكلبي: لا يحضرون مجالس الباطل.
واللغو في اللغة: كل ما يلغى ويطرح، والمعنى: لا يحضرون مجالس الباطل، وإذا مروا بكل ما يُلغى من قول وعمل، أكرموا أنفسهم أن يقفوا عليه، أو يميلوا إليه، ويدخل في هذا: أعياد المشركين، كما فسرها به السلف، والغناء وأنواع الباطل كلها.
قال الزجاج: لا يجالسون أهل المعاصي، ولا يمالئونهم - أي يساعدونهم ويعينونهم - عليها ومروا مر الكرام الذين لا يرضون باللغو، لأنهم يكرمون أنفسهم عن الدخول فيه والاختلاط بأهله.
وقد روى أن عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه مر بلهو فأعرض عنه، فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن أصبح ابن مسعود لكريمًا» (?).
وقد أثنى اللَّه سبحانه على من أعرض عن اللغو إذا سمعه بقوله: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} [القصص: 55].
وهذه الآية وإن كان سبب نزولها خاصًا، فمعناها عام، متناول لكل من سمع لغوًا فأعرض عنه، وقال بلسانه أو بقلبه لأصحابه: {لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ} وتأمل كيف قال سبحانه: {لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ} ولم يقل: بالزور، لأن {يَشْهَدُونَ} بمعنى: يحضرون، فمدحهم على ترك حضور مجالس الزور فكيف بالتكلم به وفعله؟ والغناء من