(أحدها: أن ذكر اللَّه أكبر من كل شيء، فهو أفضل الطاعات؛ لأن المقصود بالطاعات كلها: إقامة ذكره، فهو سر الطاعات وروحها.

(الثاني: أن المعنى: أنكم إذا ذكرتموه ذكركم، فكان ذكره لكم أكبر من ذكركم له، فعلى هذا: المصدر مضاف إلى الفاعل، وعلى الأول: مضاف إلى المذكور.

(الثالث: أن المعنى: ولذكر اللَّه أكبر من أن يبقى معه فاحشة ومنكر، بل إذا تم الذكر: محق كل خطيئة ومعصية، هذا ما ذكره المفسرون.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللَّه - يقول: معنى الآية: أن في الصلاة فائدتين عظيمتين:

إحداهما: نهيها عن الفحشاء والمنكر.

والثانية: اشتمالها على ذكر اللَّه وتضمنها له، ولما تضمنته من ذكر اللَّه أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر.

8 - وأما ختم الأعمال الصالحة به: فكما ختم به عمل الصيام بقوله: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185].

وختم به الحج في قوله: {فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} [البقرة: 200].

وختم به الصلاة كقوله: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُواْ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} [النساء: 103].

وختم به الجمعة كقوله: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10]. ولهذا كان خاتمة الحياة الدنيا، وإذا كان آخر كلام العبد أدخله اللَّه الجنة.

9 - وأما اختصاص الذاكرين بالانتفاع بآياته، وهم أولو الألباب والعقول. فكقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الألْبَابِ - الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 190، 191].

10 - وأما مصاحبته لجميع الأعمال، واقترانه بها، وأنه روحها: فإنه سبحانه قرنه بالصلاة، كقوله: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] وقرنه بالصيام وبالحج ومناسكه. بل هو روح الحج، ولُبُّه ومقصوده، كما قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار: لإقامة ذكر اللَّه» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015