إِلَّا الغواصون وَلم يتفطن لمغاصاته إِلَّا الْمُحَقِّقُونَ وَأما سلوك مَسْلَك التساهل والاقتصار على فن من الْكَلَام يستحسن فِي المخاطبات ففائدته أَن يستلذ وقعه فِي الأسماع وَلَا تكل عَن فهمه والتفطن لمقاصده أَكثر الطباع وَيحصل بِهِ الْإِقْنَاع لكل ذِي حجى وفطنة وان لم يكن متبحرا فِي الْعُلُوم
وَهَذَا الْفَنّ من جوالب الْمَدْح والإطراء وَلَكِن من الظاهريين وآفته أَنه من دواعي الْقدح والإزراء وَلَكِن من الغواصين فَرَأَيْت أَن أسلك المسلك المقتصد بَين الطَّرفَيْنِ وَلَا أخلى الْكتاب عَن أُمُور برهانية يتفطن لَهَا الْمُحَقِّقُونَ وَلَا عَن كَلِمَات إقناعية يَسْتَفِيد مِنْهَا المتوهمون فان الْحَاجة الى هَذَا الْكتاب عَامَّة فِي حق الْخَواص والعوام وشاملة جَمِيع الطَّبَقَات من أهل الاسلام وَهَذَا هُوَ الْأَقْرَب إِلَى الْمنْهَج القويم فلطالما قيل ... كلا طرفِي قصد الْأُمُور ذميم ...
الْمقَام الثَّانِي فِي التَّعْبِير عَن الْمَقَاصِد إطنابا وإيجازا وَفَائِدَة الإطناب الشَّرْح والايضاح الْمُغنِي عَن عناء التفكر وَطول التَّأَمُّل وآفته الإملال وَفَائِدَة الايجاز جمع الْمَقَاصِد وترصيفها وايصالها إِلَى الأفهام على التقارب وآفته الْحَاجة الى شدَّة التصفح والتأمل لاستخراج الْمعَانِي الدقيقة من الْأَلْفَاظ الوجيزة الرشيقة والرأى فِي هَذَا الْمقَام الاقتصاد بَين طرفِي التَّفْرِيط والإفراط فَإِن الإطناب لَا يَنْفَكّ عَن إملال والإيجاز