وَالْجنَّة وَالنَّار بطرِيق التَّأْوِيل للتفصيل دون إِنْكَار الأَصْل بل اعْترف بِأَن الطَّاعَة وموافقة الشَّرْع وكف النَّفس عَن الْمُحرمَات والهوى سَبَب يُفْضِي إِلَى السَّعَادَة وَأَنا لاسترسال على الْهوى وَمُخَالفَة الشَّرْع فِيمَا أَمر وَنهى يَسُوق صَاحبه إِلَى الشقاوة وَلكنه زعم أَنا لسعادة عبارَة عَن لَذَّة روحانية تزيد لذتها على اللَّذَّة الجسمانية الْحَاصِلَة من الْمطعم والمنكح اللَّذين تشترك فيهمَا الْبَهَائِم وتتعالى عَنْهُمَا رُتْبَة الملكية وانما تِلْكَ السَّعَادَة اتِّصَال بالجواهر الْعَقْلِيَّة الملكية وابتهاج بنيل ذَلِك الْكَمَال وَاللَّذَّات الجسمانية محتقرة بِالْإِضَافَة إِلَيْهَا وَأَنا لشقاوة عبارَة عَن كَون الشَّخْص محجوبا عَن ذَلِك الْكَمَال الْعَظِيم مَحَله الرفيع شَأْنه مَعَ التشوق إِلَيْهِ والشغف بِهِ وَأَن ألم ذَلِك يستحقر مَعَه ألم النَّار الجسمانية وَأَن مَا ورد فِي الْقُرْآن مثله ضرب لعوام الْحلق لما قصر فهمهم عَن دَرك تِلْكَ اللَّذَّات فانه لَو تعدى النَّبِي فِي ترغيبه وترهيبه إِلَى مَا ألفوه وتشوقوا إِلَيْهِ وفزعوا مِنْهُ لم تنبعث دواعيهم للطلب والهرب فَذكر من اللَّذَّات أشرفها عِنْدهم وهى المدركات بالحواس من الْحور والقصور إِذْ تحظى بهَا حاسة الْبَصَر وَمن المطاعم والمناكح اذ لحظى بهَا الْقُوَّة الشهوانية وَمَا عِنْد الله لِعِبَادِهِ الصَّالِحين خير من جَمِيع مَا اعربت عَنهُ الْعبارَات ونبهت عَلَيْهِ وَلذَلِك قَالَ تَعَالَى فِيمَا حكى عَنهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَعدَدْت لعبادي الصَّالِحين مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر وكل مَا يدْرك من الجسمانيات فقد خطر على قلب بشر أَو يُمكن إخطاره بِالْقَلْبِ وَزعم هَذَا الْقَائِل أَن الْمصلحَة الداعية إِلَى التَّمْثِيل للذات والآلام بالمالوف مِنْهَا عِنْد الْعَوام كالمصلحة فِي الْأَلْفَاظ الدَّالَّة على التَّشْبِيه فِي صِفَات الله تَعَالَى وَأَنه لَو كشف لَهُم الغطاء وَوصف لَهُم جلال الله الَّذِي لَا تحيط بِهِ الصِّفَات والاسماء وَقيل لَهُم صانع الْعَالم مَوْجُود لَيْسَ بجوهر وَلَا عرض وَلَا جسم وَلَا هُوَ مُتَّصِل بالعالم وَلَا هُوَ مُنْفَصِل عَنهُ وَلَا هُوَ دَاخل فِيهِ وَلَا خَارج عَنهُ وَأَن الْجِهَات محصورة فِي سِتّ وأنسائر الْجِهَات فارغة مِنْهُ وَلَيْسَ شاغلا لوَاحِد مِنْهَا فَلَا دَاخل الْعَالم بِهِ مَشْغُول وَلَا خَارج الْعَالم عَنهُ مَشْغُول لبادر الْخلق إِلَى انكار وجود فَإِن عُقُولهمْ لَا تقوى على التَّصْدِيق بِوُجُود مَوْجُود ترده الاوهام والحواس فَذكر لَهُم مَا يُشِير إِلَى ضروب التَّمْثِيل ليرسخ فِي نُفُوسهم التَّصْدِيق باصل الْوُجُود فيسارعون إِلَى امْتِثَال الاوامر تَعْظِيمًا لَهُ إِلَى الانزجار عَن المعاصى مهابة مِنْهُ فِيمَن هَذَا منهاجه