-في الظاهر- من البشر لما جئت بأعجب من هذه المجموعة.
ولكن هذه المجموعة أقامت في فندق واحد، وأكلت على مائدة واحدة، وقامت للصلاة صفاً واحداً وراء إمام واحد، ومرض قوم (وكنت ممّن مرض) فعطفوا عليه جميعاً، ومات واحد فحزنوا عليه جميعاً، وأحسّ كل فرد منها منذ الساعة الأولى بأنه مع إخوان له، يعرفهم منذ الأزل ويعرفونه ويحبهم ويحبونه.
فكيف تحققت هذه المعجزة؟ كيف اختُصرت في هذا الفندق ممالك الإسلام كلها فكانت أسرة واحدة، تتمنى أكثر الأسر التي يجمع بينها الدم والنسب أن يكون لها بعض ما كان لهذه الأسرة من جوامع الحب وروابط الود؟
كيف تهاوت في لحظة حواجز اللسان والبلدان والأزياء والأفكار، حتى كأنْ ليس فيهم عربي ولا فارسي ولا تركي ولا كردي ولا شركسي، ولا أشقر ولا أسمر، ولا قريب ولا بعيد؟
كيف انهدم في يوم واحد ما أنفق أعداء الإسلام القرون الطِّوال في بنائه، من عوائق الوحدة في الدين وموانع الأخوّة في الله؟
هذا هو سرّ الإسلام. فقل لدعاة القومية: موتوا بغيظكم؛ إن المستقبل لنا، لقد شِدْتُم صرحاً ولكنه صرح من الثلج، متى أشرقت عليه شمس الإسلام رجع وحلاً تطؤه الأقدام.
* * *