جدياً ويعيش حياته كلها على ذلك ويموت عليه، حتى الكفار من قريش الذين سمّاهم الإسلام مشركين، واختصّهم بهذه التسمية دون اليهود والنصارى من أهل الكتاب، كانوا يُقرّون بأن للكون إلهاً خالقاً: {وَلَئِنْ سَألتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السّماوَاتِ والأرْضَ لَيَقولُنَّ الله}، وكانوا إذا ركبوا في الفُلْك دعَوا الله مخلصين، وإذا لبّوا في حجهم قالوا: «لبّيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك». وكانوا يقولون عن آلهتهم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إلاّ لِيُقَرِّبونا إلى اللهِ زُلْفَى}.
كل هذا معروف، وإنما بُعث الرسل لإرشاد الناس إلى عبادة هذا الإله وحده وتنزيهه عن الشريك وعن الشفيع، فمَن عرف أن للكون إلهاً قادراً قديماً باقياً سميعاً بصيراً، ولكنه عبد معه غيره واتخذ إليه شفعاء بغير إذنه، لا يكون مؤمناً ولا موحِّداً.
وقد زود النبي صلى الله عليه وسلم العرب بهذه العقيدة، ثم قذف بهم في أرجاء الأرض فكانوا سادتها وملوكها وعلماءها وأساتذة الحاضرة فيها. فليس علينا إذا أردنا أن ندعو إلى الله في المدارس إلا تزويد الطلاب بعقيدة التوحيد، بشرط أن نسلك إلى ذلك طريق القرآن ونستعمل حججه، وندع هذه الكتب المتأخرة التي خلطت بين الفلسفة والعقائد خلطاً شنيعاً، وملأت صفحات منها كثيرة في سرد شُبَه المبطلين والردّ على أقوام بادوا ولم يبقَ لهم أثر. أين الجهمية مثلاً والقدرية والمُرجئة ولست أدري ماذا؟ فلماذا نشتغل بحفظ شُبَههم ونردّ عليها، ونحن نعلم أن السلف كلهم كرهوا ذلك وذمّوا من أجله علم الكلام، حتى أفتى بعض فقهائنا الحنفية بأنه إذا مات رجل وأوصى بمال لعلماء بلده لا يدخل فيهم