ثم إننا لسنا غرباء عن هذه الحضارة ولا واغلين عليها، بل نحن شركاء فيها، نحن من أصحابها.

إن الحضارات نوعان (كما قسّمها شبنكلر في كتابه المشهور): حضارات محلية كحضارات الهند والصين، وحضارة عالمية. والحضارة العالمية بناءٌ من ثلاثة أدوار اشترك فيه ثلاثة بانين: أما الدَّور الأول فقد بناه المصريون والفينيقيون واليونان، ومَن شاركهم فيه وأعانهم عليه، والثاني بناه المسلمون، والثالث بناه الغربيون. وكل دور منها يقوم على ما تحته، فلولاه ما قام. فنحن شركاء في هذه العمارة، لنا فيها دور من ثلاثة، ولسنا مستأجرين ولا مُسْتَجْدين ولا معتدين، نحن من أصحاب الدار.

ولكن ليس معنى هذا أن نقبلها بكل ما فيها. إن فيها شروراً كثيرة ومفاسد مردّها جميعاً إلى أصلين: أحدهما ما تحمله من أفكار ومبادئ فيها ما يزيغ المؤمن عن شرعة الحق وما يضله عن سبيل الهدى. والثاني هو أشد وأنكى، ما يغلب على هذه الحضارة من تهاون بمسائل الجنس وإطلاق للشهوات، وهو أشد، لأن الأول (وإن كان فيه الكفر أحياناً) لا يجد عند كل شاب استعداداً لقبوله، أما الثاني فإنه يجد القبول في كل نفس لأن الله ركّب في نفس كل شاب الميل إلى المرأة، فمن عمد إلى إثارة الشهوات وأيقظ الغريزة استهوى بذلك الشباب جميعاً إلا من عصم الله بعصمته، وقليلٌ ما هم، بل أقل من القليل.

* * *

فإذا أردنا أن نصحّح موقفنا من هذه الحضارة فلنصنع مثل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015