أنا أعرف مصر من خمس وعشرين سنة، وأعرفها الآن، وأشهد أن ليس فيها من خير جَدَّ إلا كان مصدره دعوة الإخوان. وهل كان فيها من قبلُ شبابٌ يملؤون المساجد، وطلابٌ يقومون الليل ويتلون القرآن، ويتزاحمون على الطاعات تزاحم غيرهم على الراقصات والسينمات؟ وهذا السيل من الكتب الإسلامية الذي ينبع من المطابع العصرية حتى يصل إلى أقصى الأرض التي تقرأ العربية، فيخلّف وراءه حيثما سار خصباً ونباتاً وزهراً وثمراً؟ لقد جرف كل فكر، حتى أفكار هؤلاء المؤلفين الذين صاروا يكتبون في الإسلام ورجاله (وما كانوا منه قبل دعوة الإخوان في قليل ولا كثير): العقّاد وهيكل وطه والحكيم، وكثير غيرهم يعرفهم الناس. وكل دار للنشر، حتى الدور التي ما فتئت تحارب الإسلام حرباً منظَّمة بنشر الصور العارية والأخبار الداعرة حتى غدت ماخوراً سَيّاراً، كدار الهلال ودار أخبار اليوم، صارت هي الأخرى تنشر الكتب الإسلامية لأن السوق اليوم -بفضل دعوة الإخوان- سوقها.

وما أنا من الإخوان في قيود السجلات، ولكني منهم في العقيدة والدين. وقد عوّدني الله أن لا أقول إلا الحق، وأن أجهر به إن خرس عنه ضِعاف الإيمان أو صرّح علماء السوء بغيره، كهؤلاء الذين كتبوا هذا البيان. هؤلاء الذين اغترّوا حين سَمّاهم الحاكمون «هيئة كبار العلماء»، وعطس إبليس في مناخرهم وزيّنَ لهم الجاه والمنصب، فبذلوا في سبيله كل شيء، حتى الدين، فجعلوا علمهم مطيّة يصلون به إلى قلب كل حاكم.

قرروا بالأمس أن فاروق من أشراف المسلمين وأنه من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015