نشرت سنة 1947
ذهبتُ أمس أعود الأستاذ الشيخ حسن البنا في مستشفى الروضة، فما كدت أسأل عنه حتى ابتدر إليّ جماعات من الشبان، كلٌّ يريد أن يسير معي يدلّني على غرفته ويطمئنني عن صحته وعن نجاح عمليته، وكلٌّ يتكلم وفي عينيه بريق الحب وفي صوته رنّة الإكبار، حتى دخلت عليه فوجدته مضطجعاً على سرير أصفر من أسرّة المستشفى، في غرفة ضيقة ليس فيها بهاء الغنى ولا أُبَّهة الترف، ولو شاء لحلَّ في أفخم سرير من أعظم مستشفى، ولاتكأ على وسائد من ريش النعام والتفّ بملاحف من حرير القز، ولكنه في مرضه مثله في صحته: لا يحب أن يكون كالآخرين: يستمتع بلذيذ المآكل وناعم اللباس وفخم السيارات وعالي القصور باسم الدعوة وبمال الجماعة!
ووجدت على كراسي الغرفة وفوق أنضادها وفي كل بقعة فيها شباباً متخشّعين كأن على رؤوسهم الطير، يستمعون إليه ويأخذون عنه. وسلمت عليه، فألفيته كعهدي به يوم لمحته أول مرة منذ تسع عشرة سنة، لم يتغير ولم يتكبر ولم يبطر، يقابل من حوله بوجه كأنما أضيئت فيه المصابيح من الإشراق،