وأنا أعترف بأن الجماهير لم تألف عندنا هذا النوع من الخطباء، وأعترف أني لم أجرب أن أكون من قبلُ خطيباً من هذا الطراز، ولكني سأمتحن جرأتي وأضحّي بإعجابكم بي، ذلك الإعجاب الذي أناله بسهولة إذا خطبت فيكم خطبة حماسية وأثرت أعصابكم بذكرى الماضي الفخم، ولكني أكون خادعاً لكم لأني أُنسيكم بوصف هذا الماضي وعظمته أنكم في حاضر ليس فيه من تلك العظمة شيء.
وبعد، فلندخل إلى الموضوع.
إننا اليوم في مطلع نهضة جديدة تشمل أقطار هذا الشرق الإسلامي، ما في ذلك شك، وإن المبدأ الذي يمكن أن نصدر عنه في هذه النهضة هو الإسلام. ولقد يعترض علينا دعاة للوطنية الضيقة التي لا تتجاوز سوريا بحدودها السياسية، ويعترض علينا من يدعو إلى قومية سورية مستقلة، كما يعترض علينا دعاة الوحدة العربية، ويعترض غيرهم اعتراضات كثيرة ... ولكن هذه الاعتراضات كلها مردودة، ولقد فصلت هذا الموضوع في مقالة ترونها في الجزء الأول من مجلة «التمدن الإسلامي» الذي صدر في هذا الشهر الأنوَر، فلن أعيدها الآن عليكم.
إن الإسلام -أيها السادة- يجب أن يكون الصلة الكبرى في نهضتنا الحاضرة، ولكن ذلك يحتاج إلى عمل، يحتاج إلى جماعة من العلماء يدرسون الكتاب والسنة درساً علمياً، ويفهمون حاجة العصر فهماً صحيحاً، ويستنبطون لنا ما نحتاج إليه من القوانين والنظم. فمن يقوم بهذه المهمة؟