هل معناه أن نعود إلى حياة القرن الأول فنركب الإبل وندع السيارة، ونسكن الخيام ونترك البيوت، ونعود إلى طب الحارث بن كَلَدَة أو أبي بكر الرازي ونترك الطب الحديث؟ هذا ما لا يقول به أحد؛ بل نريد العودة إلى مثل ما كان عليه أجدادنا من العلم والمجد والقوة والسلطان.
ونحن نعلم أن هذا المجد لا يعود بالأحاديث والخطب، ونعلم أن السجين المصفَّد بالأغلال لا يطلقه تذكر الحرية والتغني بلذاتها، وأن الجائع لا يشبعه تذكر موائد الماضي واستعراض ألوانها، وأن الفقير لا يغنيه تذكر زمان غناه والزهو بما صنع فيه، وأن الذلة لا تُدفَع عن الذليل بنظم قصائد الفخر بعزة جده وأبيه.
ولكننا نعلم أيضاً أن السجين الذي ينسى أيام الحرية يستريح إلى القيد ولا يجد حافزاً إلى الانطلاق، وأن الفقير الذي ينسى زمان الغنى يطمئن إلى الفقر ولا يجد دافعاً إلى الاستغناء، وأن الذليل الذي ينسى عزة أبيه يألف الذل ولا يجد قوة على دفعه.
فإذا اطمأننّا إلى جلال ماضينا وحسبنا أن خطبة بتمجيده ومقالة بالإشادة به تغنينا وتكفينا فلن يعود لنا هذا الجلال أبداً، وإن نسينا أننا أبناء سادة الأرض وأساتذة الدنيا لم يحرك أعصابنا شيء إلى استعادة هذا المجد.
فلنأخذ من الماضي بقَدْر، نأخذ منه ما يدفع ويرفع وينفع، وندع منه ما يثبط ويُقعد ويُنيم. إننا لا نريد أن نعود إلى الزمان الماضي، فالزمان يمشي أبداً لا يقف ولا يعود، ولا نعود إلى مثل معيشة الزمان الماضي ونترك ثمرات الحضارة، ولكن نعود إلى