كان الوباء إذا جاء أقام سنين وفتك بالكبير والصغير حتى تمتلئ البلد بالجثث وتخلو من السكان. كذلك كان يصنع في الشرق والغرب، ولكنه لمّا قدم مصر سنة 1947 لم يلبث فيها إلا قليلاً، فما السبب؟ لقد كنت مقيماً في مصر تلك السنة وعرفت السبب: استعدت له الحكومة ونهض لمقاومته الأطباء، فحاصروه قبل انتشاره وقضوا عليه قبل استفحاله.
وهذا وباء في الدين، جعلَنا نحن المسلمين كأنّا لسنا بالمسلمين، فالعورات مكشوفة، والمحرَّمات معلَنة، والفرائض متروكة؛ كأننا والله في جاهلية جَهلاء وضلالة عمياء لم يُنزَّل علينا كتاب ولم يُبعَث فينا نبي، بل إن الجاهلية أشرف -أقسم بالله- وأعفّ وأنظف! وهل كان في الجاهلية بنت تكشف عورتها بعلم الأب وعين الأم ونظر الناس، فلا تسمع مُنكِراً ولا ترى معترضاً؟
إنه وباء في القلوب والعقائد والأخلاق، فماذا نصنع له؟
أما الحكومة، لا أعني حكومة بعينها بل أكثر حكومات البلاد الإسلامية، فلم تلتفت إليه ولم تهتمّ به، بل ربما كان منها من تشجّعه وتزيده شرّاً وانتشاراً. وأما الشعوب فلم تنتدب منها من أهل القدرة والاختصاص من يتطوع لمحاربته ودفعه على خطة مرسومة ومنهج مدروس، كما فعل الأطباء في دفع ذلك الوباء.
إن أكثر الأمة -لو أحصيت- لا تزال تؤمن بالله وتحب الخير، ولكنها قد ضعفت ثقتها بربها وضعفت ثقتها بنفسها، لا يجمعها نظام ولا يقودها قائد ولا تنطق باسمها صحيفة، بل