ووجدت البنات فيها -مهما كنّ متحجّبات- إذا دخلن المدرسة ينزعن أكثر حجابهن كأنهنّ صرنَ في دارهنّ، فيرى المدرّس منهن ما لا يجوز أن يرى مثلَه إلا أخٌ أو أب، وما هو بأبٍ لهنّ ولا أخ، ما هو إلا أجنبي لا يحل له -مهما كان علمه وكانت سنّه وكان صلاحه- لا يحق له أن يرى منهن إلا الوجه والكفين، ولا يجوز أن يخلو بإحداهن ولو كانت خلوته بها خلوة كلام.

ثم إن مناهج هذه المدارس على غير ما أريد وعلى غير ما أرى أنه الصواب؛ فهي تعلم البنات مثل علوم الصبيان، مع أن الذي يحتاج هو إليه لا تحتاج إليه هي، وما ينفعه أن يدرسه لا ينفعها هي أن تدرسه، ذلك لأنها خُلقت لغير ما خُلق له، وستشتغل إذا كبرت بغير ما يشتغل هو به، وهذا التعليم يدفعها -في مُقْبِل أمرها- أن تسلك مسلكه وأن تحاول التحرر من أنوثتها لتشاركه في رجولته، فتدخل مثله دواوين الحكومة وتشتغل مثله في المتاجر، فلا تبقى امرأة كما خلقها الله ولا تصير رجلاً كما أراد لها هؤلاء الناس!

وكنت قد وضعت أخواتها الثلاث قبلها في مدرسة أهلية قالوا إنها إسلامية، وإذا هي لا تختلف عن مدارس الحكومة إلا بأنها بالأجرة وتلك بالمَجّان، والمنهج هو المنهج والكتب هي الكتب، والمدرّسات أكثرهن من السافرات كأخواتهن هناك، وفيها من البلايا والطامّات ما يهدم في نفوس التلاميذ والتلميذات كل ما يبنيه الأبُ الصالح في البيت والخطيبُ المصلح في المسجد! ومن بعض ما فيها أن كتب التاريخ تعلّم البنات ديانات الأمم الأولى -من المصريين والفنيقيين واليونان والرومان- وما كان لها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015