إننا لا نريد موعظة بعيدة عن الحياة، يسمعها السامع كأنه يستمع حديثاً بلسان غير لسانه، بل نريد الموعظة الممتزجة بالحياة. لا نريد زيتاً مختلطاً بالماء، إذا تركته عاد منفصلاً يهبط الماء فيه ويعلو الزيت، بل ماء ممزوجاً به الخل، قد صار منه حتى لا تفرق فيه بين الخل والماء.
لا نريد أن تكون دروس الدين في المدرسة بعيدة عما هو في المجتمع فلا يرى التلميذ سبيلاً واضحاً لإدخاله فيها؛ بل درساً مَبنيّاً على وصف ما في المجتمع: نَصِفُ الدواء ثم نسمّي له الدواء. إن الله لم ينزّل القرآن جملة واحدة كما أنزل الكتب من قبله، بل أنزله آية بعد آية، أو آيات بعد آيات، نزل مرتبطاً بالحياة، مقوِّماً عوجها، مصحِّحاً خطأها، سامياً بها: قال المشركون في مكة أقوالاً فنزل قرآن بحكاية هذه الأقوال وردّها، وكانت الهجرة فنزلت آيات في الهجرة، وكان الإفك فنزل القرآن بردّ ما أفك المفترون، وكانت مسألة أسرى بدر فنزل بها قرآن، وكانت بيعة الرضوان فنزلت الآية تتكلم عن بيعة الرضوان ... جاء الدين مرتبطاً بالحياة؛ كلما تلونا هذه الآيات ذكرنا ما كان، فجعَلْنا ديننَا -إذ ندرّسه في مدارسنا- بعيداً عن حياتنا. أنزل الله القرآن ليكون دستوراً نتبعه وقانوناً نطبقه، فاكتفى أناس منا بتلاوة ألفاظه والتطريب في قراءته، وافتتاح الحفلات واختتامها به، وبين تلاوة الافتتاح وتلاوة الاختتام ما لا يرضي الله ولا يوافق الإسلام.
أليس هذا الذي يجري في كثير من بلاد المسلمين؟ لو كان القرآن يؤثر فينا كما أثر في عمر وغير عمر من الصحابة الأولين، فبدّل حياتهم ونقلهم من حال إلى حال، لو كان الناس يعلمون