نشرت سنة 1986
عادتي حين أنزل بلداً لا أعرف فيه أحداً أن أركب الترام (إن كان فيه ترام) أو سيارة النقل الجماعي، فلا أنزل منها حتى ترجع بي إلى المكان الذي بدأت منه؛ فأرى البلد وأنا آمنٌ أن أضلّ الطريق أو أتعرض لمكروه.
فلما وصلت مكة للإقامة فيها سنة 1384 ما كان فيها إلا سيارات الأجرة الصغيرة (التاكسي) و «خطوط البلدة»، وهي سيّارات ليست بالصغيرة ولا بالكبيرة، لا هي بالجيدة التي لا تُعاب ولا الرديئة التي لا تُركب، يدعونها «الأَنيسة». فأنِست باسمها لمّا سمعته، ومر على ذهني ما أحفظ من الشعر الذي فيه ذكر الأوانس، من آنسة عنترة بن معاوية بن شداد التي يقول عن دارها:
دارٌ لآنِسةٍ غَضيضٍ طَرْفُها ... طَوْعِ العِناقِ لذيذةِ المُتَبَسَّمِ
ولا أكتمكم طربي لكلمة «لذيذة»، فلو أنه قال «حلوة» أو قال «جميلة» لما بلغ عُشر ما تبلغ كلمة لذيذة. إنها تشعرك كأن ابتسامتها شيء يُذاق! ولكن لا تحسبوا أنها طَوع العناق لكل قادم عليها مائل إليها، إنها تكون إذن بغيّاً، وما كانت نساء العرب