الطبيب أجرته وكرامته، وإن مات حضر أولياؤه عند الطبيب الذي كان قد نصبه السلطان رئيساً للأطباء وعرضوا عليه النسخ التي كتبها لهم الطبيب، فإن رآها على مقتضى الحكمة وصناعة الطب، من غير تفريط ولا تقصير من الطبيب، قال لهم: إن مريضكم مات بانتهاء أجله. وإن رأى أن الطبيب قد أخطأ أو قصّر قال لهم: خذوا دية صاحبكم من الطبيب، فإنه هو الذي قتله بسوء صناعته وتفريطه".
أرأيتم يا سادة؟ إن هذه المسؤولية -التي قررها المجتمع الإسلامي من قرون طويلة- لم تقرَّر إلى اليوم في أكثر البلاد المتحضرة.
وفي هذا الكتاب، مع أنه كتاب في الحسبة لا في الطب، بيان كثير من آدابه؛ فعلى الطبيب أن يحلف اليمين التي سنّها أبقراط، وعليه أن لا يعطي أحداً دواء مضراً، وأن يمتنع عن مساعدة النساء على الإجهاض وإسقاط الولد، ولا يعطي الرجال الدواء الذي يقطع النسل، وليغض بصره عن العورات عند دخوله على المرضى، ولا يفشي سرّ مريضه.
* * *
هذه قطرة من بحر مما كنا عليه في القرون التي ندعوها «القرون الوسطى»، والتي كانت أوربا تعيش فيها وراء ثلاثة حجب من الهمجية والتعصب والجهل.
* * *