تذكرت أيامي الجميلة في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، وقد مضى عليها اليومَ ربعُ قرن أو يزيد، وكنت أُمضي في مكتبتها الساعات الطوال، ولطالما أمضيت فيها اليوم إلى آخره وسط الكتب والمراجع، حتى تغلق أبوابها ويضطروني إلى الانصراف.
فذهبت إلى المكتبة المركزية في الجامعة، وعهدي بقسم الدوريات فيها أن فيه طائفة طيّبة من الدَّوْريات القديمة. وظهر أني كنت في ظني على صواب ووجدت فيها ما كنت أملت، فانتدبت نفسي لمراجعة هذا القسم، ودأبت على زيارة المكتبة في الأسبوع ثلاث مرات، أمضي فيها في كل مرة أربعَ ساعات أو خمساً، وصرّمت في ذلك أشهر الصيف، كلّها أو جلّها، وغربلت عشرات من المجلّدات، فظفرت بمقالات كثيرة لم تكن في يدي من قبل أصولٌ لها، وبذلك ازداد العمل الذي بدأت به اتساعاً واكتمالاً، وباتت «مشروعات» الكتب المُعَدَّة للنشر واضحةً خطّتُها مجتمِعةً مادّتُها.
* * *
أما هذا الكتاب ففيه تنوّعٌ في الموضوع وتنوّعٌ في الزمان؛ فقد صدرت المقالات التي تؤلفه في الثلاثينيّات والأربعينيّات والخمسينيّات، ومنها مقالات وأحاديث من الستينيّات والسبعينيّات، والأقل من مقالاته صدر في الثمانينيّات، في السنوات الأخيرة التي نشر فيها جدي -رحمه الله- سلسلة مقالات «صور وخواطر» في جريدة «الشرق الأوسط»، بعد الفراغ من نشر ذكرياته فيها. ومنها ما كان أحاديثَ عثرتُ على مُسوَّداتها، ومنها مقالات نُشِرت في صحف ومجلات قديمة متنوعة، وقليلٌ منها مخطوطات لم تُنشَر