سلامة المسجد، وأن الله يقدّر ويلطف، وأنه عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم.
ذلك أنه بعد هذا السيل بخمسة أشهر، في ليلة السبت 28 شوال سنة 802، كان أحد المرابطين في تكية رامشت عند باب الحَزْوَرَة (ورامشت هو لقب الشيخ الذي بنى هذه التكية، واسمه إبراهيم بن الحسين) كان قد أشعل سراجاً في خَلوته، وتركه مشتعلاً وخرج، فجاءت فأرة فسحبت فتيل السراج فألقته على الأرض، فاحترقت الخلوة ووصلت النار إلى سقفها، ثم خرجت من شبّاكها المطلّ على الحرم فاشتعل جدار الحرم، حتى وصلت النار إلى سقف المسجد الحرام فالتهب.
وعجز الناس عن إطفائه لعُلُوّه، ولأن النار كانت أسرع منهم في إحضار السلالم، فمشت في السقف والتهمت الجانب الغربي من المسجد كله، وصار شعلة واحدة إلى أن وصل الحريق إلى الجانب الشامي، واستمرّ يأكل من السقف ويسير حتى وصل إلى باب العجلة (الذي يسمى اليوم باب الباسطية) حيث هدم السيل العمودين والقوس فوقفت النار، ولولا ذلك لأكلت المسجد كله!
وبقيت النار مشتعلة والناس لا يقدرون على إطفائها (ولم يكن لديهم مصلحة للإطفاء كما هي اليوم) حتى انطفأت من نفسها، وصار الجانب الغربي ونصف الجانب الشمالي مثل التلّ الكبير من أنقاض الحريق، وصار الواقف وراءه لا يستطيع أن يرى الكعبة.
وكانت مصيبة من المصائب، ولكن الله يسّر عمارة ما احترق