من خَلقه مُعجز يُتفكَّر فيه، وخفيّ من صنعه يُتنبَّه به عليه، ونِعَم تقتضي مواصلةَ حمده، ومِنَن تحثّ على متابعة شكره، والذي ميّز كلَّ نوع من حيوانٍ خلقه على حِدَته، وأبانه بشكله وصورته، وجعل له من الآلة ما يلائم طبعه، ويسّره للأمر الذي خُلق له ويؤدّيه إلى مصلحته وقوام جسمه. وجعلنا من أشرف ذلك كله نوعاً وأتمّه معرفة، وجمع فينا بالقوة ما فرّقه في تلك الأصناف بالآلة، فليس منها شيء مخصوص بحال له فيها مصلحة إلا ونحن قادرون على مثلها، فإنّا بفضل حيلة العقل نستعمل مثل ذلك إذا احتجنا إليه ونفارقه إذا استغنينا عنه؛ كذوات الحد والشوكة من صدف أو مخلب، فإن لنا مكان ذلك ما نستعمله من السيوف والرماح وسائر الأسلحة؛ وكذوات الحافر والظلف، فإن لنا أمثال ذلك مما ننتعله ونتقي أذى الأرض به ... وجعل لنا خدماً وأعواناً، وزينة وجمالاً، وأكلاً وأقواتاً؛ فبعضٌ نمتطيه، وبعضٌ نقتنيه، وبعضٌ نَغْتذيه. وأحلّ لنا صيد البر والبحر والهواء؛ نقتنص الوحش من كِناسها، ونستنزل الطير من الهواء، ونستخرج الحوت من الماء. لم يَكِلْنا في ذلك إلى مبلغ حيلتنا حتى عَضَدَنا عليه وسهّل السبيل إليه، بأن خلق لنا من تلك الأنواع أشخاصاً أغراها بغيرها من سائر أجناسها، ووصَلها من آلة الخلْقَة وسلاح البُنْيَة، وقبول التأديب والتَّضْرِية والانطباع على الأكفّ والاستجابة، فدلنا على موضع الصنع فيها وموقع الانتفاع بها، كالفهد والكلب وسائر الضواري، والبازي والشاهين وسائر الجوارح، كل ما يحويه من ذلك لنا كاسب وعلينا كادح وبمصلحتنا عائد ... ".
ثم يقول: "إن للصيد فوائد جمة، وملاذَّ ممتعة، ومحاسن