أو تزأر بهدير الأنهار، ولا أرى الجمال حيثما كان، إلا توثبت القريحة وتدفقت على النفس المعاني، وازدحمت على القلم الكَلِمُ وولدت على سِنانه الفصول والمقالات.
أيام كنت ... وأين مني تلك الأيام؟ كنت إن مشيت ثلاثة أكيال (?) إلى الرَّبْوة أو عشرة إلى الهامَة، أو ذهبت إلى بيروت أو إلى حمص، نشأت في النفس ألف ذكرى ونُقشت ألف صورة وانبعث ألف أمل. وهأنذا أمشي اليوم إلى آخر الأرض، إلى السند والهند وسيام وجاوة، فلا أكتب عنها إلا مُكرَهاً، كمَن ينحت من صخر، ولطالما كنت -إذا كتبت- أغرف من بحر.
لقد ونى العزم وولّى الشباب، فهل ترونها أبقت لي الأيام ما أقوى به على فتح هذا الباب؟ وهل تروني أستطيع أن أجري مع هؤلاء الأدباء في ميدان، وقد غبر دهري وعتقت آرائي، حتى صرت كأني عندهم من آثار الأوّلين؟
وأين أنا منهم وأنا لا أرتضي هذه الأساليب الواهية المستعجمة التي يكتبون بها، وهم لا يرتضون أسلوبي؟ وأنا أنكر هذه الموضوعات التي لا يعرفون غيرها، وهم ينكرون موضوعاتي؟ ومَن يستمع إليّ إن قلت إن غزل الشعراء العذريين الأمويين خير من شعركم هذا الحديث؟ وإن فيمَن تعدّونهم كتّاباً (كيوسف السباعي) من لا أستطيع أن أجد فيه إلا عامياً، عامي الفكر وعامي الأسلوب، وإن هذا الهراء الذي يكتبه ويطبعه لو كتب مثلَه تلميذٌ في الثانوية ممن عرفنا في أيامنا لسقط في الامتحان؟!