الأسماك، ينصب شبكته ويقعد ساكناً ينتظر، فإن وثب وتحرك وهزّ الشبكة فرّت منها الأسماك. والمطبعة تريد منك أن تثب وراء السمكة فتمسكها بيدك وتضعها في الشبكة، تريد أن تجمع أفكارك كلها بنفسك وتصبّها على الورق!

والموضوع الذي يحتاج إلى عشر صفحات عليك أن تكتبه في صفحتين لأن المطبعة لا تحتاج إلا إلى اثنتين. وإن عرضت لك -وأنت تنظر في تجارب الطبع- كلمة أفضل من كلمة أو جملة أحسن من جملة فإيّاك أن تبدّلها، لأن المطبعة يتعبها هذا التبديل. وخذ بعد ذلك ما شئت من التَّطْبيعات والتصحيفات وتحريف الكلم عن مواضعها وإبدالها بغيرها، وانْشَقَّ غضباً وغيظاً، فليس ينفعك الغضب ولا يجدي عليك الغيظ بعدما سار هذا التحريف وشَرّقَ وغَرّبَ وهو محمول عليك ومنسوب إليك، وأنفك -ولا مؤاخذة- في الرغام!

وأصعب شيء على الكاتب أن يَكثُر عليه العمل حتى لا يدع له وقتاً يداخل فيه الناس ويخالطهم. وهذا الاختلاط هو الزِّناد الذي يقدح شرر الفكرة، وما يراه أو يسمعه هو المادة التي يصنع منها أدبه. فكيف يُنتج معملٌ فَقَدَ الزِّناد الذي يدير المحرك والموادَّ الأولية التي تشغّل المعمل؟

لذلك تجد أكثر الكتّاب يجودون في الشباب أكثر مما يجودون في الكهولة، يكتبون في شبابهم للأدب المَحْض، يريدون أن يشقّوا لهم طريقاً وسط الزحمة فيتخذون لذلك أقوى العُدَد، يتعبون ويكِدّون، لا يبالون في سبيل التجويد وقتاً ولا جهداً، حتى إذا عُبِّد لهم الطريق وضمنوا لأنفسهم الحظوة عند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015