أدَعُ «الأوانس» وأعود إلى «الأنيسة»، إلى السيارة التي ركبتها يومئذ فما أنست بها ولا استرحت إليها، فقد ضاق بي مقعدها حتى يبست رجلاي وتصلّب ظهري وآذى الازدحام جنبي، ولكن كيف الخروج منها؟ يقولون في مصر: «دخول الحمّام ليس كخروجه»! وهذه الأنيسة تشبه الحمّام في حَرّها، يغتسل فيها راكبها من غير أن ينزع ثيابه، لا يغتسل بالماء الذي يُصَبّ عليه بل بالعرق الذي ينصَبّ منه!
وكانت تلك هي المرة الأولى التي أركبها فيها، وكانت هي المرة الأخيرة، فلم أعد بعد ذلك إليها.
جعلت السيارة تدور بنا، وكلما بلغنا موقفاً سمّاه السائق لينزل فيه من يشاء النزول، فوقفنا في موقف فقال: «رِيع اللصوص». فتنبهت كأنْ قد قرصتني نحلة، وشككت في صحة سمعي، فأعاد القول: «ريع اللصوص»!
فعجبت، لأن كلمة «الريع» معروفة وإن تركها الناس، فهي عربية قرآنية (?). ولكن ما بال اللصوص؟ وهل للّصوص حي