أعمل الصحابة رضي الله عنهم عقولهم في فهم القرآن، واستنبطوا منه، وكانوا فيه على تفاوت، فمنهم المكثر ومنهم دون ذلك، وكان اجتهادهم مبنيّاً على علم، ولم يكونوا يقولون في القرآن بآرائهم بغير علم، ولذا حلوا ما استشكل على غيرهم فهمه، وأوضحوا لهم هذا المشكل، ومن أمثلة ذلك ما رواه الإمام البخاري من الأسئلة المشكلة التي طرحت على ابن عباس، ومنها:
قوله تعالى: {أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا} إلى قوله: {دَحَاهَا} [النازعات: 27 - 30] فذكر خلق السماء قبل الأرض، وفي قوله: {... أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ} إلى قوله: {طَائِعِينَ} [فصلت: 9 - 11]، فذكر خلق الأرض قبل السماء في هذه الآية. [32]
فأجاب ابن عباس عن ذلك فقال: «خلق الأرض في يومين، ثم استوى إلى السماء فسواهنّ في يومين آخرين، ثم دحا الأرض، ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينه في يومين آخرين، فذلك قوله: {دَحَاهَا}، وقوله: {خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ} فجعل الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام، وخلقت السماء في يومين» (?).