الثالثة: تقليد الأفضل فيما تعدد المجتهد ليس بواجب وعن أحمد وابن شريح خلافه وعن الأصحاب الحنفية روايتان. لنا اشتهار إفتاء المفضولين من الصحابة والتابعين من غير إنكار وقوله عليه السلام بأيهم اقتديتم اهتديتم لما خرج العوام لأنهم مقيدون بقي معمولا به في المجتهدين من غير فصل بفضل ولا يستدل بأن تكليف العامي بالترجيح تكليف بالمحال لقصوره عن معرفة المراتب لأن الترجيح ربما يظهر للعامي بالتسامع وبرجوع العلماء إليه بدون العكس وكثرة المستفتين واعتراف العلماء بفضله. لهم أن أقوال المجتهدين عند المقلد كالأدلة عند المجتهد فيدفع تعارضها بالترجيح وليس إلا يكون قائله أفضل وبعبارة أخرى أن الظن بقول الأعلم أقوى والأقوى هو المأخوذ عند التعارض.
قلنا قياس لا يقاوم لما مر من الإجماع على أن بينهما فرقا هو أن ترجيح المجتهدين للأدلة سهل وترجيح العوام للمجتهدين وإن أمكن عسر.
قال في التحصيل فإن إفتاء اثنان بشيء واحد تعين عليه وإلا قبل مجتهد في أعلمهم وأورعهم.
وقيل لا إذ علماء الأمصار لم ينكروا على العوام تركه ثم إذا اجتهد فإن ظن الرجحان مطلقا تعين وإن ظن الاستواء مطلقا يخير أو الاستواء في الدين دون العلم وجب تقليد الأعلم.
وقيل يخير أو العكس وجب تقليد الأدين أو ظن أحدهما أدين والآخر أعلم وجب تقليد الأعلم لأن مفيد الحكم علمه.
قال علاء الدين الزاهد استفتى مفتيين حنفيين فافتيا بالضدين كالحل والحرمة والصحة والفساد يأخذ العامي بفتوى الفساد في الفسادات والصحة في المعاملات.
وقال ظهير الدين المرغيناني: إن كان المستفتي مجتهدا يأخذ بقول من ترجح عنده بدليل والعامي بقول من هو أفقه منهما عنده وإن استويا عنده يستفتى غيرهما ولو لم يوجد إلا في بلد آخر كذا يفعله الصحابة والتابعون.
وأقول يفهم منهما أن عن أصحابنا في ترجيح إحدى الفتويين قولين الترجيح من حيث حال الحكم ومن حيث حال المفتي وعند الاستواء لا يخير كما هو قول الشافعية بل يتبع قول الثالث ثم هذا في مفتيين أما لو سئل متفقها ففعل ثم مفتيا فأجاب بعكسه قضى صلوات صلاها بقول المتفقه إن أفتاه المفتي بالقضاء قاله شرف الأئمة رحمه الله.