الناس لم يتركوا سدى في زمان فإن أبا البشر عليه السلام كان صاحب الشرع ولم يخل قرن بعده عن دليل سمعى لقوله تعالى {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، لكن إباحة الفترة هى بمعنى عدم العقاب على الفعلً قبل أن حَرمه الشرع أو على الترك قبل أن أوجبه لا بمعنى الإباحة الشرعية وهي ثابتة بقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: 29] يدل على إباحة جميع الأشياء شرعًا فيخص من عمومها ما ليس بمباح وذلك لأنه إن كان متأخرًا عن نصوص التحريم كان ناسخًا لها فلا تحريم وأنه خلاف الإجماع وإن كان متقدمًا ما فقد ثبت الإباحة الشرعية في الكل وتكرر النسخ حقيقة فإن كان مقارنًا يخص كما قلنا ويبقى الباقي على الإباحة الشرعية.
لا يقال معنى الآية خلق الكل للكل لا كل واحد لكل واحد كما ذكر في تفسير البيضاوي.
لأنا نقول خلاف الظاهر فإن استغراق مثل هذا الجمع بمعنى كل فرد لا بمعنى مجموع الأفراد وكذا استغراق من وما كما مر فلذلك يحرم الضب والضبع والسلحفاة والثعلب والقنفذ والحمار لتعارض المبيح والمحرم ولا يقتض حرمة لحم الحمار نجاسة سؤره كما في الهرة فلا ينافيه طهارة سؤره.
أصل مختلف فيه:
رجح الكرخي المثبت وهو الذي يبقى العارض وبنفي الأصل لأنه أقرب إلى الصدق لاعتماد الحقيقة كما في الشهادة، وقال عيسى بن أبان يتعارضان لاستوائهما شروطًا فيطلب الترجيح من جهة آخر.
واختلف عمل أصحابنا في تعارضهما فعملوا في خبر زينب بنت النبي عليه السلام أنه ردها إلى زوجها أبي العاص بنكاح جديد أو بالأول وخبر بريرة رضي الله عنها أنها أعتقت وزوجها حرًا وعبد وفي الجرح والتعديل بالمثبت للعارض حتى أثبتوا الفرقة بتباين الدارين خلافًا للشافعى رحمه الله.
وأما في خبر ميمونة رضي الله عنها أنه تزوجها وهو حلال بسرف أو محرم واتفقت الروايات أن النكاح لم يكن في الحل الأولى إذ رواية أنه عليه السلام بالمدينة قبل أن يحرم غير ثابتة حتى لم يقبل بها أحد الفريقين فلم يعتبرها وكذا في مسائل كتاب الاستحسان من الخبر بالطهارة والحل وغيرهما فبالنافي للعارض أي خبر الإحرام والطهارة والحل.
والحرف الكلي فيه أن النفي إن كان مما يعرف بدليله أو اشتبه حاله وعرف اعتماد