شتائت المباني من كنوز المذهبين، والتوفيق بين أباعد المعاني من رموز المقصدين، والتحقيق لمداحض لم يزل الفحول البزل لغموضها غموضًا عنها الأعين، والتدقيق في مغالط لم يتسن لهم في حلها إلا أن مضغوا الألسن، ثم مع أنه في فنه حاوٍ لكافة قوادح القرائح خاوٍ عن عامة مقادح القوارح يجمع إلى ضبط شوارد القوم نتائج الخواطر الفاتر ويعين بالبرهان ما عوّل عليه الرأي القاصر، كل ذلك في عبارة متصفة بعد الاقتصاد بالإعجاز لا مملة بالتطويل ولا مخلة بالإيجاز (شعر).
فجاء بفضل الله جمعًا ممهدا ... بتحقيقه في فنِّه صار أوحدا
لضبط أصول الفخر والحاجبي بل ... شروحهما لا كالبديع مجردا
وتحصيل محصول ومنهاجهم معا ... وما قيل شرحًا فيهما لا مفردا
وتلويح توضيح لتنقيحنا وذا ... بأن كل طعن فيه صارَ مسددا
كذا حال مغنينا ببحث شروحه ... فمن ذا أتى ركن الأصول مشيدًا
وكيف ولولا الذب عن أصل فرعنا ... لما ذكروا من قادحات معددا
لما صح دعوى العلم منا لرأينا ... ولا صح تعويل على مذهب بدا
ولا جاز تقليد لما بان ضعفه ... فكيف اجتهاد بالفساد مؤكدا
إذا ما ترى سعيي وغاية طاقتي ... لعلك تدعو لي إلها موحدا
تقول كما أعطيت علمًا مؤيدًا ... فوفق لما ترضى إلهي مؤبدا
فهذا مرادي بل نهاية مطلبي ... ولا كدني الخلق جاهًا ممددا
وقد ندبني إلى صياغته، جد بي إلى صناعة الشرع وصيانته، وإلى طالبي ضبطه ورعايته، إغناء لهم بالصباح، عن تكثير المصباح، وتقوية بتلفيق الأرواح، عن مؤنة تفريق الأشباح، وطالما طالبوني بجرأته فيه وفي ثمرته، وعاتبوني ما استعفى وأتعلل، ادعاء لمظنة الضنة، وإلا فمئِنة الكسل، ولما يسرني الله هنا لآخر الكلام، دعوت الله أن يوفقني لآخر المرام، والحمد لله ولي التوفيق، وإليه بالتحقيق انتهاء الطريق.
وينحصر مقصوده في فاتحة ومطلب:
أما الفاتحة: ففي مقاصد أربعة معرفة الماهية والفائدة والموضوع والاستمداد الإجمالي.
وأما المطلب: ففيه مقدمتان ومقصدان وخاتمة.