ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الإقدام فإنه يحتمل معنيين (?) : أحدهما ظاهر جلي، والثاني غامض خفي. أما الجلي فإنه يقول إنه انصرف جذع البصيرة مستمر المريرة لم يفل عزمه ولا ضعفت نيته بما أصيب من جسمه من الخيل الذي كملت سنه وتناهت قوته، وأما المعنى الخفي فإنه يقول: ثم انصرفت وقد أصبت؟ أي قتلت أعدائي ونكيت؟ ولم أصب أي لم ألف على هذه الحال، أي لم ألف جذع البصيرة قارح الإقدام بل ألفيت قارح البصيرة جذع الإقدام لأن بصيرة القارح المجرب المنجذ هي التي لا تستحيل ولا تضطرب. وأما بصيرة الجذع أي الصبي فلا تثبت ولا تدوم، وألفيت جذع الإقدام أي شديده ماضيه، لا ينثني ولا يردعه شيء على نحو ما قدمان من مذهب من ذكر الشباب وأهل الغرارة في الحروب. ويعضد هذا المعنى على [المعنى] الأول الجلي ويؤيده أنه يستحيل أن يقول: ولم أصب أي لم ينل مني (?) وهو قد قال قلبه:
حتى خضبت بما تحدر من دمي ... أكناف (?) سرجي أو عنان لجامي فهذا نقض وإبرام ونفي وإيجاب وسوفسطانية صحيحة. والحجة للقول الأول أنه أراد بقوله: لم أصب: لم أقتل أي انصرفت وقد قتلت فيهم وسلمت منهم كما تقول: أصيب فلان يوم كذا أي قتل، يريدون: أصيبت نفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لجيش الأمراء: أميركم زيد فإن أصيب فجعفر فإن أصيب فعبد الله ابن رواحة، فأصيبوا كلهم. وحجة أصحاب المقالة الثانية: وكيف يسوغ له أن يقول ولم أقتل وهو ينشد شعره ويخاطبهم بلفظه. والعرب تقول: أصيب