وهذا موافق لما أخبر به موسى - عليه الصلاة والسلام - من أن الكذاب لا يتم أمره، وذلك بأن الله حكيم لا يليق به تأييد الكذاب على كذبه من غير أن يبين كذبه.
ولهذا أعظم الفتن: فتنة الدجال الكذاب، لما اقترن بدعواه الألوهية بعض الخوارق، كان معه ما يدل على كذبه من وجوه:
منها: دعواه الألوهية، وهو: «أعور، والله ليس بأعور» ، «مكتوب بين عينيه: كافر» ، يقرؤه كل مؤمن قارئ وغير قارئ، والله تعالى لا يراه أحد حتى يموت، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه العلامات الثلاث في الأحاديث الصحيحة (?) .
فأما تأييد الكذاب، ونصره، وإظهار دعوته دائما، فهذا لم يقع قط، فمن يستدل على ما يفعله الرب سبحانه بالعادة والسنة فهذا هو الواقع على ذلك - أيضا - بالحكمة، فحكمته تناقض أن يفعل ذلك، إذ الحكيم لا يفعل هذا.
وقد قال تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا - سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا} [الفتح: 22 - 23]
فأخبر أن سنة الله التي لا تبديل لها: نصر المؤمنين على الكافرين.
والإيمان المستلزم لذلك يتضمن طاعة الله ورسوله، فإذا نقص الإيمان بالمعاصي كان الأمر بحسبه، كما جرى يوم أحد.
وقال تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا - اسْتِكْبَارًا فِي الأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّتَ الأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا} [فاطر: 42 - 43]