والكلام في إثبات النبوة مفصل في غير هذا الموضع.
والمقصود أن إنكارها من سَنَن الجاهلية ومعارفهم، وفي الناس كثير ممن هو على شاكلتهم ومعوج طريقتهم.
الخامسة والثلاثون جحود القدر، والاحتجاج به على الله تعالى، ومعارضة شرع الله بقدر الله وهذه المسألة من غوامض مسائل الدين، والوقوف على سرها عَسِر إلا على من وفقه الله تعالى.
ولابن القيم كتاب جليل في هذا الباب سماه " شفاء العليل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل ".
وقد أبطل الله سبحانه هذه العقيدة الجاهلية بقوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ - قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 148 - 149]
تفسير هذه الآية: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} [الأنعام: 148] حكاية لفن آخر من أباطيلهم.
{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا} [الأنعام: 148] لم يريدوا بهذا الكلام الاعتذار عن ارتكاب القبيح؛ إذ لم يعتقدوا قبح أفعالهم، بل هم كما نطقت به الآيات - {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] وأنهم إنما يعبدون الأصنام ليقربوهم إلى الله زلفى، وأن التحريم إنما كان من الله عز وجل، فما مرادهم بذلك إلا الاحتجاج على أن ما ارتكبوه حق ومشروع ومرضي عند الله تعالى على أن المشيئة والإرادة تساوي الأمر، وتستلزم الرضى كما زعمت المعتزلة (?) فيكون حاصل