وأمّا) الثاني وهو (الظلم الذي يغفره اللّه فظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم) {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم} قالوا: نكرة في سياق چ
الشرط فعم كل ما فيه ظلم النفس وقال {فمنهم ظالم لنفسه} فهذا لا يدخل
فيه الشرك الأكبر قال ابن مسعود: لما نزلت {الذين آمنوا ولم يلبسوا
إيمانهم بظلم} شق ذلك على الصحب وقالوا: يا رسول اللّه أينا لم يظلم
نفسه قال: إنما هو الشرك ألم تسمعوا قول العبد الصالح {إن الشرك لظلم عظيم} (وأما) الثالث وهو (الظلم الذي لا يتركه اللّه فظلم
العباد بعضهم بعضاً حتى يدير لبعضهم من بعض) علم من هذا ما نقله الذهبي
عن بعض المفسرين أن الظلم المطلق هو الكفر المطلق {والكافرون هم الظالمون
} فلا شفيع لهم غداً {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع} والظلم المفيد قد يختص بظلم العبد نفسه وظلم بعضهم بعضاً فالأول من الثاني مغفور إن شاء اللّه والثاني تنصب له موازين العدل فمن سلم من [ص 296] أصناف
الظلم فله الأمن التام ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه فله الأمن ولا بد أن يدخل
الجنة (تنبيه) قال ابن عربي: من ظلم العباد أن يمنعهم حقهم الواجب
عليه أداؤه وقد يكون ذلك بالحال لما يراه على المسكين وهو قادر واجد لسد
خلته ودفع ضرورته. أهـ
أورد الماوردي رحمه الله تعالى في أدب الدين والدنيا أَنَّ الرَّشِيدَ حَبَسَ أَبِي الْعَتَاهِيَةِ فَكَتَبَ عَلَى حَائِطِ الْحَبْسِ:
أَمَا وَاَللَّهِ إنَّ الظُّلْمَ شُؤْمٌ: وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إلَى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِي: وَعِنْدَ اللَّهِ تَجْتَمِعُ الْخُصُومُ
سَتَعْلَمُ فِي الْمَعَادِ إنْ الْتَقَيْنَا: غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنْ الظَّلُومُ
فَأُخْبِرَ الرَّشِيدُ بِذَلِكَ فَبَكَى بُكَاءً شَدِيدًا، وَدَعَا بِأَبِي الْعَتَاهِيَةِ فَاسْتَحَلَّهُ وَوَهَبَ لَهُ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَطْلَقَهُ.
{تنبيه}: وينبغي على المسلم إن زلت قدمه ووقع في ظلم أن يرد المظالم إلى أهلها وأن يتحلل منه اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهم.
(حديث أبي هريرة في صحيح البخاري) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه.