وَقَالَ أَبُو تَمَّامٍ الطَّائِيُّ: وَأَعْجَبُ حَالاتِ ابْنِ آدَمَ خَلْقُهُ يَضِلُّ إذَا فَكَّرْتَ فِي كُنْهِهِ الْفِكْرُ فَيَفْرَحُ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ بَقَاؤُهُ وَيَجْزَعُ مِمَّا صَارَ وَهُوَ لَهُ ذُخْرُ وَرُبَّمَا تَسَلَّى مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ بالأماني، وَإِنْ قَلَّ صِدْقُهَا. فَقَدْ قِيلَ: قَلَّمَا تَصْدُقُ الأمْنِيَّةُ وَلَكِنْ قَدْ يُعْتَاضُ بِهَا سَلْوَةً مِنْ هَمٍّ أَوْ مَسَرَّةٍ بِرَجَاءٍ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: حَرِّكْ مُنَاك إذَا اغْتَمَمْت فَإِنَّهُنَّ مَرَاوِحُ.
وَقَالَ آخَرُ: إذَا تَمَنَّيْت بِتَّ اللَّيْلَ مُغْتَبِطًا إنَّ الْمُنَى رَأْسُ أَمْوَالِ الْمَفَالِيسِ.
(5) وَمِنْهَا الْهُمُومُ الَّتِي تُذْهِلُ اللُّبَّ، وَتَشْغَلُ الْقَلْبَ، فَلاَ تَتْبَعُ الاحْتِمَالَ وَلاَ تَقْوَى عَلَى صَبْرٍ. وَقَدْ قِيلَ: الْهَمُّ كَالسُّمِّ.
وَقَالَ بَعْضُ الأدباء: الْحُزْنُ كَالدَّاءِ الْمَخْزُونِ فِي فُؤَادِ الْمَحْزُونِ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
هُمُومُك بِالْعَيْشِ مَقْرُونَةٌ فَمَا تَقْطَعُ الْعَيْشَ إلا بِهِمْ
إذَا تَمَّ أَمْرٌ بَدَا نَقْصُهُ تَرَقَّبْ زَوَالا إذَا قِيلَ تَمْ
إذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا فَإِنَّ الْمَعَاصِيَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحَامِ عَلَيْهَا بِشُكْرِ الإله فَإِنَّ الإلهَ سَرِيعُ النِّقَمْ
حَلاَوَةُ دُنْيَاك مَسْمُومَةٌ فَمَا تَأْكُلُ الشَّهْدَ إلا بِسُمْ
فَكَمْ قَدَرٌ دَبَّ فِي مُهْلَةٍ فَلَمْ يَعْلَمْ النَّاسُ حَتَّى هَجَمْ.
(6) وَمِنْهَا الأمْرَاضُ الَّتِي يَتَغَيَّرُ بِهَا الطَّبْعُ مَا يَتَغَيَّرُ بِهَا الْجِسْمُ، فَلاَ تَبْقَى الأخْلاَقُ عَلَى اعْتِدَالٍ وَلاَ يُقْدَرُ مَعَهَا عَلَى احْتِمَالٍ.
قَالَ الْمُتَنَبِّي:
آلَةُ الْعَيْشِ صِحَّةٌ وَشَبَابُ فَإِذَا وَلَّيَا عَنْ الْمَرْءِ وَلَّى
وَإِذَا الشَّيْخُ قَالَ أُفٍّ فَمَا مَلَّ حَيَاةً وَإِنَّمَا الضَّعْفَ مَلاَ
وَإِذَا لَمْ تَجِدْ مِنْ النَّاسِ كُفُئًا ذَاتَ خِدْرٍ أَرَادَتْ الْمَوْتَ بَعْلاَ أَبَدًا
تَسْتَرِدُّ مَا تَهَبُ الدُّنْيَا فَيَا لَيْتَ جُودَهَا كَانَ بُخْلاَ