لِمَحَاسِنِ الأخلاقِ حُدُودٌ مُقَدَّرَةٌ وَمَوَاضِعُ مُسْتَحَقَّةٌ فَإِنْ تَجَاوَزَ بِهَا الْحَدَّ صَارَتْ مَلَقًا وَإِنْ عَدْلَ بِهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا صَارَتْ نِفَاقًا. وَالْمَلَقُ ذُلٌّ، وَالنِّفَاقُ لُؤْمٌ، وَلَيْسَ لِمَنْ وُسِمَ بِهِمَا وُدٌّ مَبْرُورٌ وَلاَ أَثَرٌ مَشْكُورٌ، وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.

(حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: إن شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه.

(حديث عمار ابن ياسر الثابت في صحيح أبي داود) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار.

(حديث أبي هريرة الثابت في صحيح الأدب المفرد) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أميناً.

قال ابن مفلح رحمه الله تعالى في الآداب الشرعية تعليقاً على الحديث السابق:

لِأَنَّهُ نِفَاقٌ وَخِدَاعٌ وَكَذِبٌ وَتَحَيُّلٌ عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى أَسْرَارِ الطَّائِفَتَيْنِ ; لِأَنَّهُ يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ بِمَا يُرْضِيهَا , وَيُظْهِرُ أَنَّهُ مَعَهَا , وَهِيَ مُدَاهَنَةٌ مُحَرَّمَةٌ ذَكَرَ ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُنُونِ قَالَ تَعَالَى: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ}. أَيْ: مَقْطُوعَةٌ مُمَالَةٌ إلَى الْحَائِطِ لَا تَقُومُ بِنَفْسِهَا وَلَا هِيَ ثَابِتَةٌ , إنَّمَا كَانُوا يَسْتَنِدُونَ إلَى مَنْ يَنْصُرُهُمْ , وَإِلَى مَنْ يَتَظَاهَرُونَ بِهِ {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} لِسُوءِ اعْتِقَادِهِمْ {هُمْ الْعَدُوُّ} لِلتَّمَكُّنِ بَيْنَ الشَّرِّ بِالْمُخَاطَبَةِ وَالْمُدَاخَلَةِ. أهـ

أورد الماوردي رحمه الله تعالى في أدب الدين والدنيا عن سَعِيدُ بْنُ عُرْوَةَ قال: لاَنْ يَكُونَ لِي نِصْفُ وَجْهٍ وَنِصْفُ لِسَانٍ عَلَى مَا فِيهِمَا مِنْ قُبْحِ الْمَنْظَرِ وَعَجْزِ الْمَخْبَرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَكُونَ ذَا وَجْهَيْنِ وَذَا لِسَانَيْنِ وَذَا قَوْلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.

قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ:

وَكَمْ مِنْ صَدِيقٍ وُدُّهُ بِلِسَانِهِ خَئُونٌ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لاَ يَتَذَمَّمُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015