(وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) أي بتمايلك وفخرك وإعجابك بنفسك بل قد يجازى فاعل ذلك بنقيض قصده كما ثبت في الصحيح
(حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: بينما رجل يمشي في حُلةٍ تُعْجِبْه نَفْسُه مُرَّجِلٍ رأسَه إذ خسف الله به فهو يتجلجلُ في الأرض إلى يوم القيامة.
وكذلك أخبر الله تعالى عن قارون أنه خرج على قومه في زينته وأن الله تعالى خسف به وبداره الأرض
وفي الحديث " من تواضع لله رفعه الله فهو في نفسه حقير وعند الناس كبير ومن استكبر وضعه الله في نفسه كبير وعند الناس حقير حتى لهو أبغض إليهم من الكلب والخنزير.
[*] قال القرطبي رحمه الله:
(وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً) هذا نهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع. والمرح: شدة الفرح. وقيل: التكبر في المشي. وقيل: تجاوز الإنسان قدره. وقال قتادة: هو الخيلاء في المشي. وقيل: هو البطر والأشر.
(إِنّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ): يعني لن تتولج باطنها فتعلم ما فيها ويقال: خرق الثوب أي شقه , وخرق الأرض قطعها. والخرق: الواسع من الأرض. أي لن تخرق الأرض بكبرك ومشيك عليها
(وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) أي لن تساوي الجبال بطولك ولا تطاولك. " ولن تبلغ الجبال طولا " بعظمتك , أي بقدرتك لا تبلغ هذا المبلغ , بل أنت عبد ذليل , محاط بك من تحتك ومن فوقك , والمحاط محصور ضعيف , فلا يليق بك التكبر.
[*] قال الطبري رحمه الله:
(وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً): ولا تمش في الأرض مختالا مستكبرا
(إِنّكَ لَن تَخْرِقَ الأرْضَ): إنك لن تقطع الأرض باختيالك
(وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) بفخرك وكبرك
قال تعالى: (وَلاَ تُصَعّرْ خَدّكَ لِلنّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحاً إِنّ اللّهَ لاَ يُحِبّ كُلّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [لقمان / 18]
إن من نبذ خلق التواضع وتعالى وتكَبَّر، إنما هو في حقيقة الأمر معتدٍ على مقام الألوهية، طالباً لنفسه العظمة والكبرياء، متناسياً جاهلاً حق الله تعالى عليه، من عصاة بني البشر، متجرِّئٌ على مولاه وخالقه ورازقه، منازع إياه صفة من صفات كماله وجلاله وجماله، إذ الكبرياء والعظمة له وحده.
وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.