(حديث ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي) أنّ النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالَ: "إنّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ وَسَطَ الطّعَامِ فَكُلُوا مِنْ حَافَتَيْهِ وَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ وَسَطِهِ".
وخُص الوسط بنزول البركة، لأنه أعدل المواضع، وعلة النهي حتى لا يُحرم الآكل البركة التي تحِلُ في وسطه، وقد يُلحق به ما إذا كان الآكلون جماعة، فإن المتقدم منهم إلى وسط الطعام قبل حافته قد أساء الأدب معهم، واستأثر لنفسه بالطيب دونهم، والله أعلم (?).
(16) جواز الأكلُ قائما:
(حديث ابنِ عُمَرَ رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) قَالَ: "كُنّا نَأَكُلُ على عَهْدِ رَسُولِ الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَحْنُ نَمْشِي، وَنَشْرَبُ وَنَحْنُ قِيَامٌ".
{تنبيه}: وعلى هذا فيُحمل الحديث الآتي على كراهية التنزيه.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نَسِيَ فَلْيَسْتَقِئْ.
(17) لا يعيب الطعام إن اشتهاه أكله وإلا تركه.
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ.
{تنبيه}: وهذا دليلٌ أوفى عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الطَّعَامِ إلَّا مَا يَشْتَهِيهِ , لَا يُجَاهِدُ نَفْسَهُ عَلَى تَنَاوُلِ مَا لَا يُرِيدُهُ فَإِنَّهُ مِنْ أَضَرِّ شَيْءٍ بِالْبَدَنِ , وَقَدْ جَاءَ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21].
وعيب الطعام كقولك: مالح قليل الملح حامض رقيق غليظ غير ناضج ونحو ذلك، قاله النووي (?). وعلة النهي في ذلك؛ لأن الطعام خلقة الله فلا تعاب، وفيه وجهٌ آخر وهو أن عيب الطعام يُدخل على قلب الصانع الحزن والألم لكونه الذي أعده وهيأه، فسد النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا الباب حتى لا يجد الحزن طريقاً إلى قلب المسلم، والشريعة تأتي بمثل هذا دائماً.