(ويستأنس أيضاً بقول ترجمان القرآن، ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن عباس لعكرمة: حدث الناس كل جمعة مرة، فإن أبيت فمرتين فإن أكثر فثلاث مرار ولا تملَّ الناس هذا القرآن. ولا ألفينك تأتي القوم وهو في حديثٍ من حديثهم فتقص عليهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم، ولكن أنصت فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه .. الحديث (?). فقد بين ابن عباس-رضي الله عنهما- علة النهي عن قطع الحديث، وهو جلب الملالة والسآمة لهم، ثم أرشده بحسن الاستماع، وإذا طلبوا منك التحديث فحدثهم فإنه أدعى لقبول ما تقول حيئنذٍ.
((9) التأني في الكلام وعدم الإسراع فيه:
العجلة في الحديث مظنة عدم فهم الكلام على وجهه من لدن المستمع، ولذا كان كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا عجلة فيه يفهمه من جلس إليه، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة:
((حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ.
((حديث عائشة الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قَالَتْ كَانَ كَلَامُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَامًا فَصْلًا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ.
((حديث جابر الثابت في صحيح أبي داود) قَالَ: كَانَ فِي كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْتِيلٌ أَوْ تَرْسِيلٌ.
((10) يكرر كلامه ثلاثاً تأسياً بالنبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
((حديث أنس الثابت في الصحيحين) أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا.
((11) خفض الصوت عند الكلام:
قال تعالى: (وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنّ أَنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان: 19].
قوله تعالى: {واغضض من صوتك} أدباً مع الناس ومع الله.
(أَنكَرَ الأصْوَاتِ): أي أفضعها وأبشعها {لصوت الحمير}.
فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختص بذلك الحمار الذي قد علمت خسته وبلادته، قاله ابن سعدي (?). ولا شك أن رفع الصوت على الغير سوءٌ في الأدب، وعدم احترام للآخرين.
(قال ابن مفلح رحمه الله في الآداب الشرعية: