لهذه الأسبابِ الثلاثةِ مجتمعة رأيت أن أقدم هذا الجهدَ المُقل المسمى (فَصْلُ الخِطَابِ في الزُهْدِ والرَقَائِقِ والآداب) مبتدأ بـ (الزهد) ثم (الرقائق)، ثم أنتقل إلى (الآداب) ليتحلى بها طالب فيكون الداعيةُ إلى الله بعد دراسته لهذا الكتاب قد عمل على تزكية نفسه وتهذيبها فيكون زاهداً رقيقَ القلبِ متحلياً بالآداب مما يُؤهله إلى الدعوة إلى الله على بصيرة امتثالاً لقوله تعالى: (قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [سورة: يوسف - الآية: 108].
(1) إيراد لُباب النقول من الكتب الفحول في الزهد والرقائق والآداب، بادئاً بكتاب الزهد فأقدم زُبْدَةَ مسائله في إيجازٍ غيرِ مُخِّل فَأُبَيِّنُ حقيقة الدنيا وذم التنافس على الدنيا ثم أقسام الناس في حبهم للدنيا وبيان أضرار حب الدنيا ثم بيان حقيقة الموت ثم أورد تعريف الزهد وبيان حقيقة الزهد ودرجات الزهد وأقسامه وحكم الزهد وفضائل الزهد وحاجة الناس إلى الزهد وبيان كيف يزهد العبد في الدنيا ويرغب في الآخرة وما هي خصال الزهد وعلامات الزهد و متعلقات الزهد وما ليس بزهد وَيُتَوَهَمُ أنه زهد ثم أختم كتاب الزهد ببيان الأسباب المعينة على الزهد في الدنيا.
(ثم أنتقل إلى كتاب الرقائق فأقدم زُبْدَةَ مسائله تعريفاً وَحُكْمَاً في إيجازٍ غيرِ مُخِّل، فأقوم بتعريف الرقائق ثم بيان حاجة الناس إلى الرقائق، ثم بيان الأشياء التي تسبب رقة القلب من معرفة الله ومعرفة أسمائه وصفاته واقتضاء هذه المعرفة لآثار هذه الأسماء الحسنى والصفات العلا من العبودية، وذكر الجنة والنار، وذكر الموت وما بعده من عذاب القبر ونعيمه، والتفكر في أهوال يوم القيامة، وزيارة القبور وما لها من أثر بالغ في ترقيق القلوب، واستحضار سوء الخاتمة وحسنها، وتذكر الذنوب السابقة، ومعرفة الدنيا وما جُبِلَت عليه من التقلب، والتفكر في آيات الله الكونية، ومجالسة الصالحين، والاستكثار من الأعمال الصالحة، ثم أتطرق إلى تزكية النفوس وهو من أعظم أبواب الرقائق لأنه يحصل بتزكية النفس تطهيرها وتطييبها، حتى تستجيب لربها وتفلح فى دنياها وآخرتها كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (الشمس: 9،10).