(وسئل رويم عن الفقر فقال: إرسال النفس في أحكام الله وهذا إنما يحمد في إرسالها في الأحكام الدينية والقدرية التي لا يؤمر بمدافعتها والتحرز منها.
(وسئل أبو حفص: بم يقدم الفقير على ربه فقال: ما للفقير شيء يقدم به على ربه سوى فقره وحقيقة الفقر وكماله كما قال بعضهم وقد سئل: متى يستحق الفقير اسم الفقر فقال: إذا لم يبق عليه بقية منه فقيل له: وكيف ذاك فقال: إذا كان له فليس له وإذا لم يكن له فهو له، وهذه من أحسن العبارات عن معنى الفقر الذي يشير إليه القوم وهو «أن يصير كله لله عز وجل لا يبقى عليه بقية من نفسه وحظه وهواه» فمتى بقي عليه شيء من أحكام نفسه ففقره مدخول ثم فسر ذلك بقوله: إذا كان له فليس له أي إذا كان لنفسه فليس لله وإذا لم يكن لنفسه فهو لله فحقيقة الفقر أن لا تكون لنفسك ولا يكون لها منك شيء بحيث تكون كلك لله وإذا كنت لنفسك فثم ملك واستغناء مناف للفقر وهذا الفقر الذي يشيرون إليه: لا تنافيه الجدة ولا الأملاك فقد كان رسل الله وأنبياؤه في ذروته مع جدتهم وملكهم كإبراهيم الخليل كان أبا الضيفان وكانت له الأموال والمواشي وكذلك كان سليمان وداود عليهما السلام وكذلك كان نبينا كان كما قال الله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} [الضحى: 8] فكانوا أغنياء في فقرهم فقراء في غناهم «فالفقر الحقيقي: دوام الافتقار إلى الله في كل حال» وأن يشهد العبد في كل ذرة من ذراته الظاهرة والباطنة فاقة تامة إلى الله تعالى من كل وجه فالفقر ذاتي للعبد وإنما يتجدد له لشهوده ووجوده حالا وإلا فهو حقيقة كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه:
«والفقر لي وصف ذات لازم أبدا كما الغنى أبدا وصف له ذاتي»
(أقوال السلف في الفقر:
((قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
وله آثار وعلامات وموجبات وأسباب أكثر إشارات القوم إليها كقول بعضهم: الفقير لا تسبق همته خطوته يريد: أنه ابن حاله ووقته فهمته مقصورة على وقته لاتتعداه (وقيل: أركان الفقر أربعة: علم يسوسه وورع يحجزه ويقين يحمله وذكر يؤنسه.
(وقال الشبلي: حقيقة الفقر أن لا يستغني بشيء دون الله.
(وسئل سهل بن عبد الله: متى يستريح الفقير فقال: إذا لم ير لنفسه غير الوقت الذي هو فيه.
(وقال أبو حفص: أحسن ما يتوسل به العبد إلى الله: دوام الافتقار إليه على جميع الأحوال وملازمة السنة في جميع الأفعال وطلب القوت من وجه حلال.