إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً طاهراً من المفسدات كلها: كالرياء، والعجب، ولا من الأموال إلا ما كان طيباً حلالاً، فإن الطيب توصف به الأعمال، والأقوال، والاعتقادات (?) والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات والابتعاد عن الخبائث والمحرمات، ثم ذكر في آخر الحديث استبعاد قبول الدعاء مع التوسع في المحرمات: أكلاً، وشرباً، ولبساً، وتغذيةً. ولهذا كان الصحابة والصالحون يحرصون أشد الحرص على أن يأكلوا من الحلال ويبتعدوا عن الحرام، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ”كان لأبي بكر غلامٌ يُخرج له الخراجَ وكان أبو بكر يأكل من خراجه (?)، فجاء يوماً بشيء فأكله أبو بكر فقال له الغلام: أتدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنتُ تكهَّنتُ لإنسانٍ في الجاهلية وما أُحسِنُ الكِهانةَ إلا أني خَدعتُهُ فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه، فأدخل أبو بكر يده (?) فقاءَ كلَّ شيء في بطنه“ (?). ورُوي في رواية لأبي نُعيم في الحلية وأحمد في الزهد ”فقيل له يرحمك الله كلُّ هذا من أجل هذه اللقمة؟ قال: لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها، سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ”كلُّ جسد نبت من سُحْتٍ فالنارُ أولى به“ فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة (?).
(ففي حديث الباب أن هذا الرجل الذي قد توسع في أكل الحرام قد أتى بأربعة أسباب من أسباب الإجابة:
الأول: إطالة السفر،
والثاني: حصول التبذل في اللباس والهيئة، ولهذا قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ”ربَّ أشْعَثَ (?) مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره“ (?).