(وهنا إشارة إلى كراهة نسبة النسيان إلى النفس نظرا لأن هناك معنا آخر للنسيان وهو تعمد إغفال العمل بأحكام الآيات وهذا والعياذ بالله من سيء الأعمال. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (طه من 124: 126).
وفي هذا الحديث دليل على أن النسيان أمر محتمل للإنسان وليس بنقص ولكن على الإنسان الجد والحرص على عدم النسيان بالاستذكار. قال الله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} [الأعلى/7].
وفي الحديث إشارة إلى مراقبة اللسان من التكلم حتى بكلام يقصد غيره إن كان اللفظ الذي يستخدم يشير إلى أمر فيه إثم أو معصية. فهنا رغم أن النسيان أمر متوقع للإنسان، إلا أن النهي عن نسبة هذا النسيان للنفس على أنه أمر قد قام به الإنسان اختيارا وتعمدا، خشية أن يكون مشمولا بمن تعمد النسيان الذي يشير الله إيه في الآية السابقة. ويشبه ذلك قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا} [البقرة /104]. وذلك لأن اليهود استخدموا لفظة راعنا فنهى الله عن استخدام ذلك اللفظ من قبل المسلمين.
ولقد كان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يجعلون لأنفسهم نصيبا من القرآن كل يوم , فاحرص على ذلك وتمسك به وعض عليه بالنواجذ , واجعل لنفسك نصيبا يوميا لا تتركه ما دمت حيا مهما كان الأمر , ومهما كانت مشاغل الدنيا، وقليلا دائما خيرا من كثيرا منقطع , وان غفلت فاقضه من الغد كما قال نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الآتي:
(حديث عمر الثابت في صحيح مسلم): أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر و صلاة الظهر كتب كأنما قرأه من الليل.
(ويجب عليه أن يجاهد نفسه في مراجعة القرآن حتى يشربه كشرب اللبن:
(حديث عقبة ابن عامر في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال سيخرج أقوام من أمتي يشربون القرآن كشربهم اللبن.
(ومن أحسن الأدوية التي تعين على الحفظ وتبعد الإنسان على النسيان ترك المعاصي:
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: