ولما كانت الصلاة مشتملة على القراءة والذكر والدعاء، وهي جامعة لأجزاء العبودية على أتم الوجوه، كانت أفضل من كل من القراءة والذكر والدعاء بمفرده، لجمعها ذلك كله مع عبودية سائر الأعضاء.

فهذا أصل نافع جداً، يفتح للعبد باب معرفة مراتب الأعمال وتنزيلها منازلها، لئلا يشتغل بمفضولها عن فاضلها، فيربح إبليس الفضل الذي بينهما، أو ينظر إلى فاضلها فيشتغل به عن مفضولها وإن كان ذلك وقته، فتفوته مصلحته بالكلية، لظنه أن اشتغاله بالفاضل أكثر ثواباً وأعظم أجراً، وهذا يحتاج إلى معرفة بمراتب الأعمال وتفاوتها ومقاصدها، وفقه في إعطاء كل عمل منها حقه، وتنزيله في مرتبته.

(التحذير من ترك الذكر:

لا شك أن القلب يصدأ كما يصدأ الحديد , وجلاؤه بالذكر فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء , فإذا ترك صدئ , فإذا ذكر جلاه , وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب. وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر. فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبا على قلبه. وصدأه بحسب غفلته , وإذا صدئ القلب لم تنطبع فيه صور المعلومات على ما هي عليه , فيرى الباطل في صورة الحق , والحق في صورة الباطل. لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم فلم تظهر فيه صورة الحقائق كما هي عليه , فإذا تراكم عليه الصدأ واسوَّد وركبه الران فَسَدَ تصورُه وإدراكه فلا يقبل حقا ولا ينكر باطلا وهذا أعظم عقوبات القلب، ولذا فإن الذكر من أنفع العبادات وأعظمها، والغفلة عنه خطرٌ كبير وشرٌ مستطير على قلب العبد، إن الغفلة عن ذكر الله تورث قسوة القلب، فيصدأ القلب، ويغلفه الران، حتى يصبح الغافل على شفا جرفٍ هارٍ ينهار به في أتون النفاق المفضي إلى الدرك الأسفل من النار، ولا ينقذنا من هذه الهاوية إلا الله عز وجل نحتمي به ونعتصم به من الضلالة، وقد حذر الله تعالى عباده من ترك ذكره في كتابه الكريم وعلى لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

(أما في كتاب الله الكريم:

فقد قال تعالى: {ومَنْ يَعْشُ عن ذكر الرحمن نُقَيّضْ له شيطاناً فهو له قرين * وإنَّهم لَيَصُدُّونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} [الزخرف: 36ـ37]

[*] قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما:

[الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015