(ص 185 - 186): «إن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لا يطيق فعله بدونه، وقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه- في مشيته وكلامه وإقدامه وكتابته أمرًا عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة أو أكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمرًا عظيمًا.
وقد علَّم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابنته فاطمة وعليًّا -رضي الله عنهما- أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضجعهما ثلاثًا وثلاثين، ويحمدا ثلاثًا وثلاثين، ويكبرا أربعًا وثلاثين؛ لما سألته الخادم، وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي، والخدمة، فعلمها ذلك، وقال: «إنه خير لكما من خادم».
(حديث علي الثابت في الصحيحين) أن فاطمة أتت النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى – وبلغها أنه قد جاءه رقيق – فلم تصادفه فذكرت ذلك لعائشة فلما جاء أخبرته عائشة، قال فجاء وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم له فقال على مكانكما فقعد بيني وبيننا حتى وجدت برد قدمه على بطني فقال ألا أدلكما على خيرٍ مما سألتما، إذا أخذتما مضاجعكما - أو أويتما إلى فراشكما فسبحا ثلاثاً وثلاثين واحمدا ثلاثا وثلاثين وكبِّرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم.
(ولا يزال المرء مُكْثِرَاً من ذكر الله تعالى حتى يظهر ذلك على جوارحه، بل إذا رؤي ذكر الله.
(حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: أولياء الله تعالى: الذين إذا رءوا ذكر الله تعالى.
قال أبو عوانة: رأيت محمد بن سيرين في السوق فما رآه أحد إلا ذكر الله تعالى.
وقال غسان بن الفضل: كان بشر بن منصور من الذين إذا رؤوا ذكر الله، وإذا رأيت وجهه ذكرت الآخرة.
(12) الذكر حصن حصين وحرزٌ متين من الشيطان اللعين:
من تأمل نصوص الوحيين؛ كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ علم منهما أن القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، وتقسو كالحجارة، وتظمأ كما يظمأ الزرع؛ وأنها في حاجة إلى ما يزيل عنها الصدأ، ويلين قسوتها، ويروي ظمأها.
وهذا القلب المتقلب محاط بأعداء كثر، من النفس والهوى والشيطان، ولعاعة الدنيا.
فهذا يصيبه بالصدأ، وذاك يقسيه، وثالث يظمئه، حتى يُخْشَى عليه من العمى، أو الموت،
{فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج/46)