ولسائل أن يسأل: ما سر تفضيل الذكر على سائر أنواع وأعمال البر مع أنه خفيف على اللسان ولا يحصل به تعب على الأبدان؟

والجواب: أن ذلك لأسباب عديدة منها ما يلي:

(أولاً) أن الذكر يورث يقظة القلب وحياته وصلاحه،

ولذلك قال النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:في الحديث الآتي:

(حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت.

(حديث أبي موسى الأشعري في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت.

[*] قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: إن الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا الموطأ، وإن إطلاق الحي والميت في وصف البيت إنما يراد به ساكن البيت، فشبه الذاكر بالحي الذي ظاهره متزين بنور الحياة وباطنة بنور المعرفة وغير الذاكر بالبيت الذي ظاهره عاطل وباطنه باطل، وقيل موقع التشبيه بالحي والميت لما في الحي من النفع لمن يواليه والضر لمن يعاديه وليس ذلك في الميت. اهـ

فالذكر حياة القلوب وصلاحها فالذكر للقلب كالماء للزرع بل كالماء للسمك لا حياة له إلا به. فإذا حييت القلوب وصَلَحت صلحت الجوارح واستقامت، ومن المعلوم شرعاً أن القلب ينصلح الجسد بصلاحه ويفسد بفساده كما بينه النبي في الحديث الآتي:

(حديث النعمان بن بشير الثابت في الصحيحين) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: الحلال بين و الحرام بين و بينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه و دينه و من وقع في الشبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا و إن لكل ملك حمى ألا و إن حمى الله تعالى في أرضه محارمه ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله و إذا فسدت فسد الجسد كله ألا و هي القلب.

(ثانياً) أن الله سبحانه جعل لسائر العبادات مقداراً، وجعل لها أوقاتاً محدودة، ولم يجعل لذكر الله مقداراً ولا وقتاً، وأمر بالإكثار منه بغير مقدار، ولأن رءوس الذكر هي الباقيات الصالحات.

(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: خذوا جُنَّتَكم من النار قولوا: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر فإنهن يأتين يوم القيامة مقدمات و معقبات و مجنبات و هن الباقيات الصالحات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015